قالوا عن الصوم هو لتوفير أموال الطعام، وقال آخرون صُم لتشعر بالمحتاجين والفقراء، كما قيل صُم حتى تجني حسنات. ويوجد من يصومون فقط لأن هذا فرض عليهم. وأما نحن فلماذا نصوم؟
  لماذا نصوم؟
يجيب على هذا السؤال السيد المسيح في الإنجيل بحسب القديس (متى 6 - 1 : 18) فنجده يركِّز على البعد الداخلي للصلاة والصوم والصدقة.  فنتعلم من كلامه أن الصوم لا يتوقف على مظهره الذي هو الطعام ولكن على جوهره ألا وهو التعمق في الله والوقوف مع الذات.   نجد في هذا النص أن أبناء العالم لهم طريقة للصوم وتقديم الصدقة والصلاة، وهي الوقوف على المظهر كما ذكرنا أعلاه وهو أنواع الطعام وشكل الإنسان ليظهروا أنهم صائمون أو أنهم مصلون، ولكن المسيح لم يشجع هذه الطريقة التي تركز على الظاهر فقط لأن الرب يسوع يريد أن تقربنا هذه الأعمال التقوية من الله وأن لا تتحول الأعمال لمظاهر. فركز السيد المسيح على أهمية بناء العلاقة الداخلية الشخصية السرّية بين الله والإنسان. فلم يكن هدف الصلاة والصوم والصدقة الوقوف عند الأفعال بحد ذاتها بل هدفها الأول هو بناء الإنسان الباطني والتركيز على عالمنا الداخلي الذي لا يقل أهمية عن العالم الخارجي لا بل بدون عالم داخلي متزن لن يكون هناك عالم خارجي مزدهر، فالإنسان إذا شعر بالسلام الداخلي فسينشره في العالم الخارجي وفي محيطه والعكس صحيح.
      لماذا نصوم ونصلي؟ وهل للصوم فائدة؟
  كما الطفل في بطن الأم يتغذى عن طريق الحبل السُري، هكذا الإنسان في الأرض يتغذى روحيا وكيانيا من مصدر حياته الله الخالق. الصوم هو الطريق الذي يساعدنا من التقليل من الاهتمام بالجسديات والماديات والتركيز على النفس والروح. فالصلاة تساعد الإنسان أن يكتشف ذاته أمام الله. وكلما أراد الإنسان أن يُنمّيَ نفسه ويغذي روحه فعليه أن يقترب من الله. ولأن الله روح فعلينا أن نقترب منه ونتعامل معه عن طريق أرواحنا وكياننا الداخلي وليس بالماديات. فالصوم يساعدنا أن لا ننشغل بالطعام والماديات بل نركز على الروحيات ومعرفة كياننا. فنحن نصوم لكي نستطيع التعمق في الله الذي هو روح. أصوم عن الأطعمة وأحوّل تركيزي من التركيز المادي على أنواع الأطعمة إلى التركيز الروحي على النفس والروح. فعندما لا نجد نوعاً معيناً من الأطعمة فنتذكر حينها أننا نعمل على ذواتنا وعلى عالمنا الداخلي. وكما ركز السيد المسيح على ما بداخل الإنسان, هكذا عاش القديس بولس، ويظهر هذا في تعليمه وتركيزه على الإنسان الباطني (2كورثثوس 4- 16:18).  
    فوائد الصوم!!!
  التقرب لله بأرواحنا.   التركيز على البعد الإنساني والروحي وليس المادي.   يساعد على تقوية الإرادة ومعرفة متى أقول لا لما أحتاج إليه.   في عالم اتسم بالسهولة فيكمن في الصوم تعليم المقاومة والتحدي وتقوية الإرادة.   يعلمنا أن الجسد هو فقط وسيلة وليس هدفاً، فالهدف هو الإتحاد مع الله. والإتحاد مع الله يكون بالروح عن طريق الجسد.   الجدير بالذكر أن أُخبركم أحبائي بأن الله لا ينظر إلى النتيجة بل للمحاولة، فإذا سقطت لا تيأس بل تعلم إن تنهض بل حاول مرات عديدة لأن الله ينظر لهذه المحولات ويساعدك.     لماذا الصوم في الخفاء؟ يركز السيد المسيح في النص الذي نحن بصدده أن يكون الصوم والصلاة والصدقة وكل الأفعال التقوية الأخرى في الخفاء، لتكون سرّاً بين الإنسان والله. ونتساءل عندما نصوم ونصلي هل نفعل هذا من أجل الناس أم لله؟ فإذا كانت لله فهي أعمال خاصة بين الله والإنسان، إنها علاقة عشق. مثالا على ذلك علاقة الحب بين شاب وفتاة هل هي علاقة خاصة أم عامة؟ في اعتقادي هي خاصة باثنين وسرّ بينهما، لذلك فعلاقتنا بالله الخالق هي علاقة خاصة جدا وسرية للغايةـ ونعرف أن السرّ إذا خرج بين اثنين لا يصبح بعد سّراـ لذلك علينا الحفاظ على علاقتنا الشخصية والسرّية بالله. وأقصد بالسرّ هنا أن يكون هناك شيء خاص (خصوصي) بيننا وبين الله بجانب الصلوات الجماعية في القداسات والاجتماعات يجب أنت وأنا نأخذ خبرة شخصية مع الذي خلقنا وأوجدنا في هذا العالم لسبب ورسالة معينة. علينا إدراك ومعرفة أهمية الجلوس بعض الوقت مع الله الخالق المحُب، وأقف أمام ذاتي لأعرفها على ضوء وجودي في حضرة الله. صدقوني هناك أشخاص أحياء ولكنهم أموات، هم أحياء جسديا وظاهريا، أما أرواحهم لأنها بعيدة عن الله فهم أموات، والسبب هو عدم استطاعتهم الوقوف أوقات قليلة أمام ذواتهم بل يجرون في طريق لا يعرفون نهايته. فالموت هنا هو ابتعاد الروح عن مصدرها وخالقها، والحياة هي أن يكون بين الإنسان والله صداقة حقيقية. وما أجمل صداقة الله؟ هل اختبرت حلاوة وعمق هذه الصداقة مع الله؟ أحبائي إن لم تكونوا اختبرتم هذه العلاقة حتى الآن فليأخذ كل شخص قراراً أن يكون الوقت القادم_ التي حددته الكنيسة فترة للصوم _فرصة لمراجعة الذات والوقوف أمام النفس. أجعل فترة الصوم بداية جديدة لك. وعش في العالم وفي أسرتك وأدِّ جميع واجباتك ولكن بروح المسيح، فلا تنتظر مدح الناس على ما تقوم به من أعمال صالحه، ولا تصوم عن الطعام لتظهر إنك صائم وتقي بل لتقترب من الله الذي يحبك وتعرف نفسك معه. قف لحظة من فضلك مع نفسك وأمام ذاتك لان الكتاب المقدس يقول ( اليوم إذا سمعتم صوته فلا تقسوا قلبكم) قال الآن وليس بعد قليل قف أمام ذاتك في بداية هذه الأيام المباركة، لا تخف من نفسك. أكتب على ورقة ما بداخلك أخرج داخلك أمامك وضع إيجابيات حياتك حتى هذه اللحظة أمام عينك، وبعدها ضع الأشياء الأقل إيجابية أمامك أيضا. فكر فيها وضعها أمام الله وصلِّ له وأطلب منه أن يساعدك أن تُنمي وتغير الجانب المحتاج لتغير، وأطلب من الروح القدس أن يرشدك للطريق الصحيح وأن يجعلك تتغلب على عادات سيئة ربما تسطير عليك أو عليكِ. أحبائي اجعلوا بداية هذا الصوم بداية جديدة لحياتكم. قف مع ذاتك راجع نفسك ثم أنطلق للأمام وأنسى الماضي أن الله ينتظرك ويحضر لك مستقبل أفضل