المقدمة :

 

عقيدة الحبل بلا دنس هي الأولى من حيث الأهمية وذلك لما يدور حولها من جدال وحوار مع الطوائف الأخرى حيث أنها من أول العقائد التى أعلنت من عقائد مريم لأنها حسب الترتيب التاريخي تكون عقيدة الحبل بلا دنس الثالثة، وقد أعلنت في 8 ديسمبر 1854 وحددها البابا بيوس التاسع الذي كان يرأس كرسي روما من سنة 1864 1878، وقد أعلنها البابا على أنها عقيدة موحاة فلذلك على كل مؤمن داخل الكنيسة الكاثوليكية أن يؤمن بهذه العقيدة، ولهذا فمن المهم معرفة  نص العقيدة التي تدعونا الكنيسة للإيمان بها.

 

نص العقيدة :

 

"أن الطوباوية مريم العذراء حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى من الحبل بها، وذلك بامتياز ونعمة خاصة من الله القدير بالنظر إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري"

 

شرح نص العقيدة :

 

الهدف من نص العقيدة هو تبرئة العذراء من أي علاقة بالخطيئة ؛أي

أنها طاهرة تماماً ليس لها خطية أصلية أو شخصية منذ اللحظة الأولى التي حبل بها وحتى وجودها كإنسان، نظراً للمكانة التي ستحتلها مريم بأن تكون أماً لله تعالى.

 

 

شرح بعض النقاط أو الألفاظ لإزالة الغموض في العقيدة :

 

ولكي ندخل في جو العقيدة لابد لنا من شرح بعض التعبيرات التي قد تثير تساؤلات واستفسارات من البعض:
- الخطيئة الأصلية : الخطيئة الأصلية كفعل تم في اللحظة التي حدث فيها سقوط آدم في الخطيئة، ونجد القديس بولس يشرح معني الخطيئة الأصلية في ( رسالة رومية الإصحاح 12:5 ) فخطية التكوين هي إذا كان آدم هو الإنسان وكل الإنسان، فخطيئته أيضاً هي خطيئة كل إنسان، هي خطيئة العالم، وفي هذا المعنى، كل خطيئة من خطايانا تدخل في خطيئة آدم هذه وتضخمها وتزيدها كثافة. وأما عن القديس بولس، والذي يركز أكثر على فكرة الخلاص :- " ليس التركيز على الخطيئة الأصلية إلا نتيجة لحقيقة أكثر أهمية بكثير وهي "أننا جميعاً مخلصون بيسوع المسيح " ويواصل قوله ويضيف : " أننا جميعاً مخلصون، لأننا جميعاً كنا في حاجة إلى أن نكون مخلصين"  فيحاول أن يثبت ذلك، أولاً بطريقة إحصائية مبيناً أن اليهود والوثنيين هم خاطئين راجع ( رو 3:1 )  ثم  يستأنف إقامة الدليل بطريقة رمزية قائلا: " بما أن آدم يمثلنا جميعاً وأنه أخطئ، فنحن جميعاً به خاطئين ولكن ذلك مجرد استنتاج. لأن الجوهر هو أننا مخلصون بيسوع المسيح ." " حيث كثرت الخطيئة فاضت النعمة" هذه هى  نظرة بولس الرسول التي تظهر معنى أو مفهوم الخطيئة الأصلية وفي الآن نفسه تركز على الخلاص أكثر، وذلك لإظهار قيمة عمل الخلاص الذي قام به مخلص البشرية يسوع المسيح من ناحية ومن ناحية أخرى لإظهار ولكن بطريقة غير مباشرة احتياج الجميع إلى الخلاص - سواء يهودي أو وثني- وبالطبع وبما أن العذراء هي إنسان فهي أيضاً محتاجة للخلاص ولكن بأي طريقة هذا ما سنراه في هذا البحث البسيط ، فالخطيئة الأصلية ليست فقط بالوراثة، تتناقل من جيل إلى جيل عن طريق فعل الزواج ولكن هي خطيئة طبيعية، أي فى طبيعة الإنسان، والتي كان يمثلها آدم. 2- معنى عبارة الحبل بلا دنس كل حبل ضمن زواج شرعي هو حبل بلا دنس، ويعتبر الحبل بدنس عندما يكون حبلاً غير شرعياً أي ناتج عن زنا ، والحبل الناتج عن سر الزواج هو عمل مقدس لأن الإنسان بواسطة فعل الزواج يشارك الله في الخلقة، هذا الرأي يقال ضد الذين يحاولون تدنيس فعل الزواج من ناحية ومن ناحية أخرى كمعنى لعبارة الحبل بلا دنس في المفهوم العام . والبعض يجهل المعنى الحقيقي للحبل بلا دنس مما يطلق عليهم المثل القائل "إن أشد أعداء الحقيقة هو من يجهلها" فإذ يقولون أن الكنيسة الكاثوليكية تدعى أن العذراء حبلت بها أمها القديسة حنة بلا زرع بشر أي مثل ما حبلت العذراء نفسها بشخص المسيح المبارك عن طريق الروح القدس وبالتالي هي لا تحتاج إلى فداء المسيح ولا يفديها دمه المسفوك؛ أي أنها لا
تحتاج إليه، ولكن في حقيقة الأمر أن العذراء مريم حبل بها كسائر البشر أي من رجل وامرأة، وهذا خلاف ما ذكره إنجيلاً منحولاً أي ليس موحياً به عرف باسم " إنجيل يعقوب"  الذي ظهر في القرن الثاني ومنه شاع هذا القول الخاطئ بين الكثيرين من  الذين يقولون ما سبق . كذلك حصلت العذراء مريم على امتياز الحبل بلا دنس عن طريق استحقاقات سيدنا يسوع المسيح فهو فداها، والنعمة المعطاة للعذراء لم تكن نعمة تبرير، لأنها لم تسقط في الخطيئة الأصلية أو الفعلية،  فهذه نعمة مسبقة جعلت العذراء مريم تدخل هذا العالم من دون دنس الخطيئة الأصلية وفي حالة النعمة ولنا ملخص على ذلك في السطور التالية : " العصمة من الخطيئة الأصلية كانت لمريم هبة من الله وتدبيراً استثنائياً لم يعط إلا لها، ومن هنا تظهر العلة الفاعلة للحبل بمريم البريء، فهي من الله القدير، وتظهر أيضاً العلة الاستحقاقية بيسوع المسيح الفادى، و النتيجة هى  أن مريم كانت بحاجة إلى الفداء وقد افتديت فعلاً، فهي كانت نتيجة لأصلها الطبيعي، ولضرورة الخطيئة الأصلية، مثل أبناء آدم جميعاً إلا أنها بتدخل خاص من الله  قد وقيت من دنس الخطيئة الأصلية، وهكذا افتديت بنعمة المسيح لكن بصورة أكمل من سائر البشر وكانت العلة الغائية القريبة للحبل بمريم البريء من الدنس هي أمومتها الإلهية". ورغم أن العذراء كانت معصومة من الخطيئة الأصلية إلا أنها لم تعصم من ملحقات الخطيئة، أي الألم والعذاب، والعذراء، هي "حواء الجديدة" التى ساهمت مع  "آدم الجديد" – المسيح- في ولادة البشرية إلى حياة جديدة أساسها الفداء على الصليب. 3- معنى عبارة اللحظة الأولى : إن كلية الطوباوية مريم العذراء من اللحظة الأولى من الحبل بها،  أي من  اللحظة التي خلق فيها الله النفس ونفخها في المادة الجسدية التي أعدها الأبوان وهي معصومة من الخطيئة الأصلية، وتظهر أهمية اللحظة الأولى في العقيدة لأن العقيدة تقول وتحدد أن شخص مريم العذراء الناتج عن اتحاد النفس والجسد هو المعصوم لأن التحديد ليس للجسد فقط ولا للنفس فقط بل لشخص مريم الشامل. "لم يوجد كائن في السماء أو على الأرض أو تحت الأرض تبادل العطية مع خالقه سوى مريم فقط لأن الرب الإله خلقها وأعطاها نعمة الوجود وجعل فيها روحاً خالدة على صورته ومثاله ومريم أعطته جسداً من جسدها الطاهر. والكنيسة المقدسة تقول في الإيصلمودية: "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له". وكونه أخذ الذي لنا فهذا عن طريق هذه القديسة الطاهرة مريم التي ولدت الله الكلمة بالحقيقة. لقد أعطي الرب الإله مريم شخصية متكاملة الفضائل. وقد رأي فيها هذه الفضائل قبل أن يخلقها بمقتضي علمه السابق وخرجت من بين يديه الطاهرتين في قمة الكمال نفساً وجسماً وروحاً. ولكن الرب الإله المهندس الأعظم الذي يخلق الأشياء في أسمى صورة. خلق له مسكناً نظيفاً طاهراً وجهزه بكل ما يلزم لاستقبال الرب الخالق بحيث أن هذا المسكن الذي صنعه هذا المهندس الأعظم لم يكن فيه نقص وقد صنعه الله الخالق العظيم، والذي يدعوه الكتاب قائلاً: " ما أعجب أعمالك يارب كلها بحكمة صنعت" أما المسكن العظيم الذي صنعه الرب لسكناه فهو مريم العذراء التي صارت أطهر من السماء وأقدس من الهيكل لاحتوائها في بطنها الطاهر. من لم تحوه السماء والأرض"

خلاصة مضمون العقيدة وتحديدها:  إن العذراء حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية، وإن الخطيئة هي الخلو من النعمة المبررة التي سببته خطية آدم الأصلية، إذن العذراء دخلت إلى العالم في حالة برارة أي في حالة النعمة، وهكذا كان تدبيراً استثنائياً من قبل الله خاص بمريم، والعلة الفاعلة لذلك هو الله الذي بررها واستثناها من شمول الخطيئة الأصلية على الجنس البشري كله، فهو القادر على كل شيء، وهي التي كانت أمه " أم مخلص الجميع " فالله برر العذراء بتطبيق استحقاقات يسوع المسيح "بأثر رجعي"  . إذن مريم كانت محتاجة إلى الفداء وافتديت ولكن بطريقة سامية "فقد فداها المسيح إذن ولكن بطريقة الوقاية، المناعة" وهذه البراءة بعد الخلقة، فمريم كانت حرة تماماً، فالنعمة التي يعطيها الله لا تسلب الإنسان حريته، فالإنسان حر رغم كل برارة ونعمة.        "هذه عطية الرب لأمه. إذ جعلها أجمل هدية وأغلى عطية يقدمها الرب الإله للعالم الهالك الذي قرر أن يخلصه بتجسده من هذه القديسة. أما عطية مريم لخالقها فهو الجسد المقدس الذي كونه الروح القدس في أحشائها الطاهرة. وإذا قلنا أن جسد المسيح له المجد أعطته له أمه الطاهرة مريم. فهذا يعنى القول من مالك وأعطيناك. فبالطبع كل شيء عند الإنسان هو من الله ولكن الله في سماحته ومحبته خص الإنسان بما أعطاه أن يكون له ويملكه حسب القول: "أعطوني العشور وجربوني". كالقول: "يا ابني أعطيني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي". من هذا المنطق نقول أن مريم تبادلت العطية مع خالقها وأبنها فهو أعطاها نفسها وحياتها وكلها وهي أعطته جسده المقدس من جسدها الطاهر. وهذه العطية التي أعطتها مريم الأم ليسوع المسيح ربنا الإبن لها دور فعال في الخلاص.  لأنه بدونها – العطية – أي الجسد الطاهر الذي أخذه يسوع المسيح ربنا من أمه الطاهرة. ما كان يمكن أن يكون الخلاص لآبناء آدم. لأنه بالجسد المقدس الذي أخذه المسيح ربنا من مريم العذراء متحداً باللاهوت. فعل الآيات والمعجزات. فقد أقام الموتي وفتح أعين العميان وأخرج الشياطين. وعزى الحزانى وشفي المرضى. وحبر القلوب الكسيرة. وقبل الخطاة وغفر لهم خطاياهم وأعطي تلاميذه ورسله المكرمين سلطان حل الخطايا وربطها وغفرانها ومَسكِها وسلم الكنيسة ممثلة في الرسل الأطهار جسده ودمه الأقدسين"

- إثبات العقيدة من الكتاب المقدس فى عقيدة الحبل بلا دنس الخطيئة الأصلية لم تذكر صراحة في الكتاب المقدس ولكنه لم يصمت عن الإشارة والتلميح إليها، وهناك بعض الآيات التي يفسرها علماء الكتاب واللاهوت على أنها تدعم هذه القضية منها: الأية الأولى : "أجعل عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها فهو يسحق رأسك وأنت ترصدين عقبه"       (تك 15:3)  وهذا النص بمعناه الحرفي يظهر أن بين الشيطان وأتباعه من جهة، وحواء والجنس البشري المنحدر منها من جهة أخرى ستكون عداوة وحرب أدبية وصراع، وستنتصر ذرية حواء على الشيطان وبين ذرية حواء هذه يوجد المسيح الذي سيجعل البشرية تنتصر بقدرته على الشيطان وقد رأي بعض المفسرين في ذرية حواء فرداً، هو المسيح المخلص، فتوصلوا إلى أن يروا أيضاً في المرأة، مريم أم المخلص. إنه تفسير مريمي- مسيحي يمثله منذ القرن الثاني بعض الآباء مثل القديس إيرناوس وأبيفانيوس وإيسيذوروس وقبريانوس ولاون الكبير فهؤلاء يرون أن مريم وابنها في حالة عداوة كلية مع الشيطان،  بل يرونها منتصرة عليه وعلى أتباعه، وعن هذا قيل في أواخر عصر الفلسفة المدرسية وفي علم اللاهوت الحديث بأن انتصار مريم على الشيطان ما كان ليتم كاملاً لو أن مريم كانت يوماً ما تحت سلطانه، وبالتالي كان عليها أن تدخل إلى هذا العالم بدون الخطيئة الأصلية. والآية الثانية: "السلام عليك يا ممتلئة نعمة ،  الرب معك" (لو 28:1) المسيحيون الأوائل كانوا يطلقون على مريم لقب بمثابة أسم علم وهي " آجيا تي بارثينوس " أي " العذراء القديسة " وهذا اللقب ليس اختراع ،بل هو من صلب الوحي الإلهي، وممتلئة نعمة هي بمثابة أسم مريم الخاص وبالتالي يعبر هذا اللقب عن صفتها المميزة، والمقصود من عبارة "ممتلئة نعمة" هو أن النعمة تجعل الشخص مرضي تماماً أمام الله وهو أقرب إلى الله من الآخرين،  وعلى هذا الأساس نؤكد شفاعة السيدة العذراء، فحال الإمتلاء بالنعمة يخالف تماماً حالة الخطيئة .

في بعض الترجمات نجد "المنعم عليها" وهذا اللفظ يجعلنا نتساءل عن زمن بداية هذا الإنعام وعن هذا الٳمتلاء بالنعمة، فلابد أن يمتد ليشتمل على حياة العذراء كلها منذ اللحظة الأولى كما سبق وشرحنا. فنجد مثلاً فى زيارة مريم لإليصابات تقول اليصابات لها "مباركة أنت في النساء ومبارك ثمرة بطنك" هنا يظهر التساوي في البركتين وقولها مباركة أنت في النساء ويظهر كتفضيل خاص لمريم وإنعام خاص من الله لها فهي مباركة كما أن أبنها مبارك ويقول القديس بولس : "الذين سبق وعرفهم، سبق فحددهم أن يكونوا مشابهين لصورة أبنه الذين سبق فحددهم والذين عرفهم سبق فبررهم" 29:8-30.

إذاً العذراء في فكر الله منذ القدم وممتلئة نعمة منذ الحبل بها  وليس فى ساعة ولادتها أوفى ساعة حبلها من الروح القدس بمخلص العالم ، يسوع المسيح .

وتقول الآية أو النبوة عن العذراء "أنت جميلة يا خليلتي ولا عيب فيك" إذا أردتم التوسع في شرح الآيتين السابقتين لغوياً أو لفظياً فهناك مرجع هو مجلة صديق الكاهن

  كالسوسنة بين الأشواك كذلك خليلتي بين البنات ( نش 2: 2 ) فماذا يراد ياتري بالشوك إلاَّ الخطايا التي تجرح وتمذق النفس ولا سيما الخطيئة الأصلية بما أنها منبع سائر الخطايا. وماذا يراد بالسوسنة سوى بهجة وعَرف الطهارة. فأذاً العذراء مريم هي خليلة الروح القدس، وهي كالسوسنة بين الشوك ووحدها بين النفوس الخاطئة.

"ويري القديس جيروم أن سوسنة البرية أو الأودية هي رمز للمسيح الذي نبت في عصا هارون، الزهرة التي نبتت في القديسة مريم، التي وإن كانت في ذاتها لا تحمل حياة لكنها حملت الحياة ذاته. ويقول أمبروسيوي "مريم هي العصا والمسيح هو الزهرة- زهرة مريم التى تنتشر بها رائحة الإيمان الذكية في العالم كله، إذ طهر كبرعم في الحشاء البتولي"

كلك جميلة يا خليلتي ولا عيب فيك ( نش 4: 7 )

فاذاً يلزم الاقرار بان العذراء هي كاملة بعصمتها عصمة مطلقة من كل خطيئة واختصاصها بطهارة غير مدنسة أبداً حتى ان الروح القدس أُعجب بهذه العروس الوحيدة في كمالها وهتف نحوها قائلاً "جميلة أنت يا خليلتي جميلة أنت. كُلك جميلة ياخليلتي ولا عيب فيك"

         أني خرجت من فم العلي بكراً قبل كل خليقه (أبن سيراخ 5:2 )

أختي العروس مقفلة ينبوع مقفل وعين مختومة ( نش 12:4)

- العقيدة في التقليد

يقول القديس أفرام "أنكما أنت وأمك وحدكما جميلان كل الجمال من كل وجه إذ ليس فيك يا سيدي عيب، ولا في أمك دنس"

ويقول القديس أغسطينوس الذي يقول بأن على البشر أن يعرفوا أنفسهم خطأه . باستثناء العذراء مريم ، التي هي أبعد من أن يدور الكلام عليها في موضوع الخطيئة، بسبب قدر المسيح .

فكرة التشابه والتفارق بين مريم وحواء، فمريم هي من جهة، صورة لحواء بطهارتها وكمالها قبل الخطيئة الأصلية، وهي من جهة أخرى، على طرفي نقيص مع حواء من حيث أن حواء هي سبب الخراب ومريم هي سبب الخلاص. ويقول القديس أفرا م "ٳمرأتان بريئتان بسيطتان كل البساطة، مريم وحواء، كانتا في كل شيء متساويتان غير أنه، فيما بعد صارت الواحدة سبب موتنا والأخرى سبب حياتنا" والقديس يوستينوس في حواره مع تريفون /100قال: " الاثنان كان لهما حوار مع الملاك حينما كانت عذراوين بعيدتين أو بريئتين من الفساد، حواء تعصي الله وتسقط أما "مريم" على العكس تتواضع "كأمة للرب" وتنتصر.

- آراء بعض اللاهوتيين في العقيدة:

نري أن بعض اللاهوتين مثل يونا فنتورا أو بطرس لمياروس وبرناردوس تحدثوا بخضوع مريم للخطيئة الأصلية ولكنها مريم خلصت منها فى الحال وهي في بطن أمها، فولدت بلا دنس من أى خطيئة .

وكان معهم القديس توما الأكويني يشاركهم الرأي والسبب هوأنهم لم يكونوا قد توصلوا بعد لحل للتوفيق بين عصمة مريم من الخطيئة وشمول هذه الخطيئة ، وظلت هذه الفكرة سائدة إلى أن جاء يوحنا دون سكوت أن من سنة 1120 – 1308 وكان علامة وكان يفكر في حل المشكلة السابق طرحها ، فكان منطقه كالآتي وكان منطقه في ثلاث إمكانيات :

أ كرامة العذراء مريم

– الله قادر ألا تكون قد سقطت في الخطيئة أبداً.

-الله قادر أن  تكون قد سقطت في الخطيئة لحظة.

– الله قادر أن تكون قد سقطت في الخطيئة زماناً.

أما ماذا حدث من هذه الإمكانيات الثلاث فالله وحده يعلمه. وإن لم يتعارض مع الكنيسة والكتاب من المحتمل أن الشيء الأكرم يُنسب إلى مريم وهو الرأي الأول بالطبع.

ب الخلاص المسبق (الوقاية)

لرفض الفكرة القائلة بأن مريم العذراء بدون خطيئة أصلية فهي إذاً ليست محتاجة للخلاص، فيجاوب يوحنا دون سكوت : " كلا إن مريم قد خلصت بالفعل، فالمسيح هو مخلصها ووسيطها، ولكن بطريقة فريدة جداً، وذلك يعود بكرامة أكبر، سواء للمخلص سواء لمريم العذراء وهي طريقة الوقاية من السقوط وليس بالطريقة العادية أي بالعماد. إذاً مريم كان لابد لها أن ترث الخطية الأصلية بما أنها أتت عن طريق طبيعي إن لم يكن يسوع قد وقاها من السقوط بطريقة أسمى وتفوق الطريقة العادية.

مجمع بال سنة 1429 قرر هذه العقيدة وثبتها وفي سنة 1567 حرم البابا بيوس الخامس عبارة بايوس القائلة ما من أحد غير المسيح متنزه، عن الخطيئة الأصلية، وأن موت العذراء وعذاباتها كانت عقاباً لها عن خطايا فعلية أو عن الخطيئة الأصلية.

 

 

 

البرهان العقلي للعقيدة

أن العقل يقبل هذه العقيدة بالنسبة إلى مكانة مريم العذراء كأم الفادي المتحدة معه والذي سبق فحددها الله الآب أماً لابنه يسوع المسيح وفى هذا قد كتب راهب إيطالي ٳسمه إدمر   EADMER  من القرن الثاني عشر والذي يوجز بقلمه العقلي  ثلاث كلمات هم:

" قدر، لائق، إذن فعل "

– الله يقدر أن يعفي أو يقي مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصلية وكان من اللائق بمكانة مريم كأم الفادي أن تكون كذلك، إذن الله فعل ذلك.

 

- اعتراض المعترضين :

الأعتراض الأول : القمص سيداروس عبد المسيح يعترض في كتاب " مريم في التاريخ والطقس والعقيدة"  قائلاً:

"فالكنيسة الكاثوليكية تبنى عقيدتها الإيمانية في العذراء في هذه الرؤيا التى حدثت لطفلة ساذجة لم تتجاوز من العمر اثنى عشر سنة. تسألها الطفلة في براءة: من أنت؟ فتجيبها "أنا الحبل بلادنس" فماذا تعرف الطفلة عن الحبل؟ وما مدى تصورها للدنس من عدمه؟"[7] وكأن الفمص سيداروس يتهم الكنيسة الكاثوليكية بالسذاجة لأنها  على ضوء تخيلات برناردت الواسعة، أعلنت الكنيسة عقيدة الحبل بلا دنس وجعل منها عقيدة إيمانية".

وهنا نقول للقمص أن الحقيقة أن الظهورات في لورد لبرنادت كانت بعد إعلان العقيدة ب 4 سنوات فالعقيدة أعلنت سنة 1854م والظهور تم سنة 1858وهذا الظهور في حقيقته يؤيد عقيدة الحبل بلا دنس إذ أن العذراء قالت لبرناردت عندما سألتها على أسمها أنها التي حبل بها بلا دنس.

وهل تقبل أيها القمص بأن أرميا يقال له "قيل أن أُصورك في البطن اخترتك، وقبل أن تخرج من الرحم كرستُك وجعلتك نبياً للأمم" (ار 4:1). ومعنى الآية هي أنت في البطن أو قبل أن تخرج من الرحم (قداسة بلا عيب وبلا الخطيئة الأصلية) ولا يقبله على العذراء هل تقبل تطهير يوحنا المعمدان عندما ارتكض حينما سمع صلاة مريم ولا تقبل أن تحمل العذراء بلا خطيئة من اللحظة الأولى.

الاعتراض الثاني يقول : مريم نفسها قالت " تبتهج روحي بالله مخلصي " وذكروا تأييد الآية اعتراضهم القائل الكنيسة تؤمن بأن الروح القدس قد قدس مستودع العذراء في البشارة بالمسيح، الروح القدس هو الذي قدس مستودع العذراء فجعل المولود منها يولد بدون الخطيئة الأصلية واحتاجت كبشر عادي لدم المسيح

ونحن نقول رداً على هذا الاعتراض: مريم بالفعل قد حصلت على الخلاص ولكن بطريقة سامية بطريقة وقائية أي لم تكن خاطئة مطلقاً ( سواء بالخطيئة الأصلية أو بالخطيئة الفعلية ) أما من ناحية الآية التي ذكرناها في البداية فتقول بأن هذه الآية لا تعني الحاضر والمستقبل وإنما هى دليل على فرح البتول فخلاصها الذى تم و التى هى ذاكرة اياه فى كل حين حيث يفيد وضع فعل تبتهج فى الزمن المضارع لأنه يؤكد شكرها و فرحها الدائم وامتنانها لإنه هو الذى خلصها و لكن شكرها ليس لحظى و ٳنما دائم لما هو قد تم بالفعل، بمعنى أن العذراء شاكرة كل حين على ما تم من فداء .

يقول ميخائيل شحاته أن الفداء تم لكل الناس في كتابه مريم العذراء، ويقول أن "الباباويون يعتقدون أن العذراء حبل بها بدون خطيئة بينما العذراء نفسها بتحريك من روح الله قالت:

تبتهج روحي بالله مخلصي

فمن نصدق من الاثنين الروح القدس أم البابا؟".

- إذا كانت مريم بريئةً من الخطيئة، فلماذا تقدَّمت للتطهير في الهيكل: مسالة الطهارة خارجية جسدية ارتبطت بتقديم المولود للهيكل (لا علاقة لها بالخطيئة، وخصوصاً الخطيئة الأصلية التي لم تكن معروفة في العهد القديم).

- إذا بُررَّت منذ اللحظة الأولي للحبل  بها فقد بُررَّت من دون إرادتها، وهذا لا يجوز: الهدية لا تشترط الموافقة المسبقة، على عكس الالتزام بمشروع (البشارة من أجل التجسد) فهو يشترط الموافقة.

- ما الضرر في أن تكون العذراء قد بررِّت اعتباراً من لحظة البشارة؟: لن تنطبق عليها الآيات التي تتضمن العداوة الكاملة مع الشيطان، ولا الامتلاء بالنعمة. فعلى سبيل المثال، نجد أن أرميا ويوحنا المعمدان قد نالا نوعاً من التقديس قبل ولادتهما: فهل تكون والدة الإله أقل حظوة عند الله منهما؟ هل نقبل أن أرميا يقال له: "قبلما صورَّتك في البطن عرفتُك وقبلما خرجت من الرحم قدستك" (ارميا 5:1) [ والقداسة هنا تعنى  بلا عيب ومن دون الخطيئة الأصلية] ولا نقبله على العذراء؟

 هل نقبل تطهير يوحنا المعمدان عندما "ارتكض الجنين بابتهاج في بطني" (لو 44:1) حينما سمع سلام مريم ولا نقبل أن تحمل العذراء بلا خطيئة من اللحظة الأولى؟ ألا نقبل هذا على أم المخلص و الفادى المسيح الهنا الصالح ؟

-        هذا التبرير يبدو مخالفاً لقواعد شاملة مثل شمولية الخطيئة "ضَلُّوا جميعاً ففسدوا معاً. ما مِن أَحد يعمل الصًّالحات لا أحد" (رو 12:3)، ألم يقل "وكما أنه كتب على الناس أن يموتوا مرة واحدة، وبعد ذاك يوم الدينونة" (عب 27:9)؟ لتفنيد هذا الاعتراض، يتوجب علينا، ذكر بعض الاستثناءات الكتابية، والتي تتضمن في ذاتها إتمام مخطط الله الخلاصيّ.

استثناءات متعلقة بعدد مرات الموت:

-       كم مرة مات ابن أرملة صرفت صيدا؟ (1مل 17: 17-24).

-       كم مرة مات لعازر؟ (يو 34:11-44).

-       كم مرة ماتت ابنة يايروس؟ (مت 18:9-27).

-       كم مرة مات ابن أرملة نائين؟ (لو 11:7-17).

-       كم مرة ماتت طابيثة؟ (اع 36:9-42).

-       كم مرة مات افطيخس؟ (اع 7:20-12).

استثناءات متعلقة بعدم الموت:

-       اخنوخ سابع آدم لم يمت (تك 24:5).

-       إيليا النبي لم يمت (2مل 1:2و11).

استثناءات متعلقة باستباق الزمن:

-       ألم يهب الله روحه القدوس ليوحنا المعمدان وهو في بطن أمه (لو 14:1)؟.

-  ألم يقدس أرميا وهو في بطن أمه: "قبل أن أُصورك في البطن عرفتك وقبل أن تخرج من الرحم قدستك وجعلتك نبياً للأمم" (ار 5:1)؟.

-  ألم يقل يسوع عن خلاص إبراهيم (قبل حدث الخلاص بحوالي 1800 سنة "إبتهج أبوكم إبراهيم راجياً أن يري يومي ورآه ففرح" (يو 56:8)؟ .

-  ألم يقل بطرس أن داود الملك رأي قيامة المسيح: "إن أبانا داود مات ودفن، وقبره عندنا إلى هذا اليوم. على أنه كان نبياً وعالماً بأن الله أقسم له يميناً ليقيمن ثمراً من صلبه على عرشه، فرأي من قبل قيامة المسيح وتكلم عليها" (أع 29:2-30)؟ .

-  ألم يقل سمعان الشيخ حين حمل الطفل يسوع وعمره 40 يوم فقط: "فقد رَأت عيناي خلاصك الذي أعددته في سبيل الشعوب كلها" (لو 30:2-31)؟ .

-  ألم يمنح الله الروح القدس قبل المعمودية في بعض الأحيان (أع 44:10-48) ليقضي على تردد الرسل؟

الله قادر على كل شيء، فهو الذي يضع القاعدة كما أنّه له الحق في وضع الاستثناءات حسب مشيئتة المقدسة. وهنا نتساءل هل تبرئة مريم من الخطيئة الأصلية يتناقض فعلاً مع قدرته اللامحدودة ومع إرادته في تقديس البشر، وكل البشر؟ بهذه العقيدة لا تحتاج مريم للفداء إذ أن التبرير قد تم باستحقاقات الفادي فقط لا غير.  

وهنا أريد أن أذكر أعتراض قداسة البابا شنودة الثالث على هذه العقيدة: "قال قداسة البابا شنودة الثالث: "يؤمن الكاثوليك أن العذراء لم تعرف قط الخطيئة الأصلية أو الفعلية، وهذا الكلام ضد الإيمان المسيحي، لأنه كيف أمكن أن تخلص العذراء من الخطيئة؟ نحن نعلم أن هناك طريقاً واحداً لا غير خلص به العالم كله وهو دم المسيح، فكيف خلصت العذراء قبل سفك هذا الدم؟ وولدت طاهرة من الخطيئة الأصلية؟ وسؤال آخر أخطر من هذا هو: إن كان ممكناً أن يخلص إنسان كالعذراء من الخطيئة الأصلية بدون تجسد الرب وموته فلماذا لم يخلَّص الرب جميع البشر بهذه الطريقة؟ ما حاجته إلى أن يخلى ذاته، ويأخذ شكل العبد، وأن يُصلب ويموت؟ إننا نؤمن بتجسد الرب وموته كضرورة حتمية لخلاصنا لأنه: "بدون سفك  لا تحدث مغفرة" كما قال الكتاب المقدس وليس بأحد غيره الخلاص كما نادى معلمنا بطرس الرسول وذا كانت العذراء طاهرة من الخطيئة فلماذا تقول تبتهج روحي بالله مخلصي لولا أنها محتاجة فعلاً للخلاص"  

يسوع هو مخلّص العذراء كما أنه مخلص سائر البشر ولكن مع هذا الفرق وهو انه مخلص سائر البشر بعد ان كانوا قد تلطخوا بوصمة الخطيئة. أما العذراء فاجلالا لشرف كونها امَّ المخلص قد منحها مفاعيل الفداء بنوع ممتاز بأن يبق فعصمها من ان يلحقها وصم الخطيئة.

أريد أن أشارك ببعض التصوص من التسبحة الكيهكية في الطقس القبطي التي تعطي إجابة على كل الاعتراضات التي يمكن توجه لهذه العقيدة: "القبة التى تدعى قدس الأقداس التي فيها التابوت المصفح بالذهب من كل ناحية. الذي فيه لوحا العهد والقسط الذهب الذي فيه المن مخفي. هو مثال ابن الله الذي أتى وحل في مريم العذراء الغير الدنسة وتجسد منها. ولدته للعالم باتحاد بلا افتراق بل هو ملك المجد أتى وخلصنا. الفردوس يتهلل لانه قد أتى الحمل الكلمة ابن الآب الدائم الى الابد وخلصنا من خطايانا. السلام لك..."

"انظروا وتأملوا في هذه الاسرار الخفية تجدونها على العذراء أم المسيح الاله سيدنا. لماذا قال القوي لعبده موسى اصنع قبة وتابوتاً وصفحه بالذهب. وأعمل قسطاً للمن مثالاً للارضيين وضعها مع الالواح في وسط المظال. هذه كلها كانت مثالاً لذات كل القدس القبة الناسوتية الطاهرة مريم والمن هو المسيح. ملك المجد يسوع المولود من السور المنيع أتى إلى العالم من العلاء وهو مع الآب بغير افتراق. الفردوس يتهلل لأنه قد جاء وأشترك معنا نحن الناقصين الفهم وتحنن وخلصنا. نمجدك يامباركة...ألخ.

القبة التي يدعونها قدس الاقداس فيها التابوت مصفح بالذهب النقي. القبة التي يدعونها الهيكل  النقي والله داخلها هي مريم العذراء. القبة: المن والقسط والواح الحجارة التي عليها وفيها الناموس مكتوب. القبة: الممتلئة من الحكمة بطلبات الأم العذراء ياربى أغفر ليّ آثامي. القبة المركبة الشاروبيمية هي مريم العذراء ابنة الملك من داخل. فلهذا نسبح الله..ألخ"

"القطعة السادسة من قول ابو السعد الابوتيجي: القبة وأوانيها. موسى كملها تطريز. والتابوت موضوع فيها. مطلى بالذهب الابريز والالواح وما فيها. القسط وفيه المن عزيز. وعن تفسير معانيها. احتاروا اهل التمييز القبة الحقيقية. أعنى هي العذراء مريم. فاقت طبع البشرية. وقد حوت السر الاعظم. والطغمات العلوية. تكل ولم تقدر تفهم. جميع السنة البشرية. فهي تصمت لم تتكلم. مريم هي فخر الامة. وهي في العالم تحمينا. سفينة وصارت مهتمة بنا. توصلنا إلى الميناء السلام لك ياام..."

"القطعة السادسة من قول البطريرك انبا مرقس: القبة النبوية. زينها موسى بكل الوان. وجعلها بذهب مطلية. وسبعة سرج ايضاً ينيران. والالواح العهدية. مكتوبة باصبع الديان. وجعل فيها منارة مضيئة. وقسط ذهب فيه المن بيان. على بنى الاسرائيلية. شهادة يوم نصب الميزان. وذلك أشارة رمزية. عليك ياهيكل منصان. يامريم بكر نقية. قد صرت قبة للغفران. وزينك بانوار بهية. الاله منشيء الاكوان. والى الديار المصرية. مضى بك يوسف الانسان. ومعك خالق كل البرية. طفلاً محمولاً على اليدان. بادت الاصنام بالكلية. من قدامه في كل مكان. وصارت أرض مصر محمية. وزالت منها عبادة الاوثان. السلام لك ياست الابكار..الخ"

"القطعة السادسة من المعقب من قول المعلم غبريال: القبة المصنوعة. صناعة أيادى بشرية. وأوانى فيها موضوعة زينها بأشكال بهية. (زينها:) وطرزها بأصناف وألوان. موسى النبى في البرية. لتابوت الرب الديان. (لتابوت:) وألواح العهد وما تحويه. وقسط ذهب غالي الاثمان. والمن العقلي مخفى فيه. (والمن: ) اشارة إلى السر المكنون. من هواعني القبة الحقيقية. كما تنبأ عنها المتنبئون. برموز وشهادات نبوية. (رموز: ) اعنى القبة ومعانيها. مثال عذراء بكر نقية. وحلول سر اللاهوت فيها. (وحلول: ) بامر عجيب وسر عظيم. عذراء حملت بين يديها. من تسجد اليه السارافيم. (من: ) ولا يستطيعون النظر اليه. حملته با م ر ى م. وكثل غلام قد ربتيه. (وكمثل: ) مكون الاكوان بالقدرة - ورديت آدم وبنيه – الى الفردوس دفعة أخرى. (الى: ) ونحن الكل نصيح اليك – ونقول طوباك ياعذراء السلام لك ثم السلام عليك – السلام لك..الخ"

"بالقطعة السابعة من قول ابو السعد الابوتيجى: دعيت ام الله وأى. لسان بشري ينطق بقليل. من أسرار ابن الله الحي. وهو ابنك عمانوئيل. ولدته وأنت بتول لكي. يتم قول الانبياء وما قيل. لانهم لم يقولوا شيء. إلا وله نحو وتأويل. عمانوئيل الذي ولدته. من غير فساد بل بطهارة وفضلك عن مختاريه لانك مصطفية ومختارة. تشبهت بالسماء كرسيه. وكم لك رمزا واشارة. كالقسط والمن مخفي فيه. شورية وتابوت ومنارة. أهل النبوة والحكمة. علموا أن الرب ياتينا ويهلك مؤامرة الاثمة. ومن الهلاك ينجينا. السلام لك يا أم.."

"القطعة السابعة من المعقب من قول المعلم غبريال: دعيت أما لمن انشاك. وأي لسان يقدر يتكلم. بوصفك وبشرف معناك. وقبولك للسر الاعظم. (وقبولك:) الجالس فوق قد اختار حسنك يامريم"

"التفسير التاسع من الرومي: من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب يقدمون لك التسبيح قائلين بعقل مستيقظ. يا التى قبلت كمال الثالوث المقدس وصارت مسكناً لابن داود المرتل. الآب اختارك والروح القدس ظللك والابن تعهدك متجسداً منك كما أحب.  هوذا الرب خرج منك ايتها المباركة الكاملة والمزينة بالمجد والاكرام والنعمة. ليعطي الخلاص للعالم الذي خلقه بارادته لينجوا من التجربة من اجل رافاته الكثيرة نسبحه تسبيحاً جديداً وايضاً نزيده علواً ثم نسبح دائماً امام سيدتنا التى ولدته نمجدك يا..."

"القطعة التاسعة من قول البطريرك انبا مرقس: هوذا الرب ظهر منك. يامريم. واختار حسن طهارتك. طوباك يامن قد صرت. أماً للاله القدوس. خلاص آدم قد كان بك. بحملك في يسوع المسيح. اخذ جسداً كاملاً منك. خلص به آدم الذي كان محبوس في قاع الجحيم. كان قيه يبكي. مسبياً مع الشيطان. سفكه عنا دماً ذكي"

"هوذا الرب خرج منك. يامريم فخر النسوان. من علو سناءه اختار حسنك. أرسل لك في عقب الازمان. نزل وحيده سكن في بطنك. سراً مخفي قد صار اعلان. وخلصت ابناء جنسك. من يسر (أسر ) عبودية وهوان، بحلول الكلمة في بطنك. يسوع مخلصنا الديان. وصار طفلاً يرضع لبنك. في حجرك بين الاحضان. وأتت لك سالومة بقصدك. ووضعته في مزود عريان. والطغمات نزلوا إلى عندك. بسجود إلى ابن الإنسان، خالقهم قد صار ابنك – له التسبيح من كل لسان. وقبلت فمه بفمك. ورضعتيه لبن الثديان، طوبالك وطوبى لشرف جنسك. حملت خالق كل الاكوان. وصار الخلاص لنا بطهرك. وفزنا من حر النيران، لم يجد الآب من هو شبهك. صرت لنا هيكلاً منصان. وصرنا احرارا بشرف قدسك. وعتقنا من يسر الشيطان، السلام لك يا ام الاله جيرينا قدام أبنك – يسامحنا نحن الخطاة – بصلانك وشرف جنسك"

"اللبش الاول الذي يقال على ثاوطوكية يوم السبت: السلام لم ياممتلئة نعمة العذراء الغير الدنسة الاناء المختار الذي لكل المسكونة المصباح الغير المطفأ فخر البتولية الهيكل الغير المنحل قضيب الإيمان. أسألى الذي ولدته مخلصنا الصالح أن يرفع عنا هذه الاتعاب ويقرر لنا سلامه. افرحي يا ممتلئة نعمة المنارة النقية الحاملة المصباح نار اللاهوت. افرحي يارجاء خلاص المسكونة كلها لاننا من اجلك عتقنا من لعنة حواء. من أجلك أيضاً صرنا مسكناً للروح القدس هذا الذي حل عليك وقدسك. السلام لك يامن غبريال قد سلم عليها قائلاً السلام لك ياممتلئة نعمة الرب معك. لأن مسرة الآب كانت في حبلك وظهور الابن كان في احشاءك. والروح القدس ملأ كل موضع منك نفسك وجسدك يامريم ام الله.  لاجل هذا نعيد نحن أيضاص عيداً روحياً ونبوياً معاً صارخين مع الملك داود. قم يارب إلى راحتك أنت وتابوت موضعك المقدس الذي هو أنت يامريم نسألك أذكرينا.الخ"

"اللبش الثاني الكيهكي: افرحي ياممتلئة نعمة العذراء الغير الدنسة القبة الغير المصنوعة بالايد كنز البر. السلام للحمامة الحسناء التي بشرتنا بسلامة الله التى صارت للناس. السلام لأم الذي تأنس بأرادته وحده ومسرة ابيه والروح القدس. السلام للقسط الذهبى والمن مخفي فيه والقضيب الخشب اللوز الذي موسى ضرب به الصخرة. افرحي ياممتلئة نعمة ايتها المائدة الروحانية التى تعطي الحياة لكل من يأكل منها. السلام للاناء الذي بلا عيب اللاهوتي المشفي لكل من يشرب منه. انا ابتديء بشوق واحرك ارغن لساني وانطق بكرامة هذه العذراء ومدائحها معاً..."

تعبر هذه النصوص الطقسية عن إيمان الكنيسة التي تصليها، لأن الطقس أو الليتورجيا هي التعبير العملي والواقعي والحي عن إيمان كنيستنا الشرقية وخاصة القبطية. تكشف لنا هذه النصوص عن  المكانة الفريدة التي للسيدة العذراء مريم في تاريخ الخلاص. لقد كانت السيدة العذراء مريم موضوع اهتمام الثالوث الأقدس منذ القدم، وهذا ما يؤيده جزئياً مثلث الرحمات الأنبا غريغوريوس "فكل فتاة لم تتزوج تسمىّ عذراء لكنها قد تتزوج، وقد لا تتزوج. أما مريم فهي وحدها بين جميع العذارى التي لم يكن ولن يكون هناك أدنى احتمال في تغيرها من عذراء إلى غير عذراء، وإنما هي (العذراء) من غير منازع، ومن غير شك. ولذلك فإذا قرأت أو سمعت لفظ "العذراء" (معرَّفة بالألف واللام) أيقنت أنها (مريم) هي بعينها،  حتى لو لم يذكر اسم مريم صراحة. وكما أن اسم (المسيح- معرفاً بالأبف واللام) لا يقال إلا عن واحد أحد، وهو الرب يسوع، كذلك اسم (العذراء) معرفاً بالألف واللام – لا يقال إلا عن واحدة، ولا أحد سواها، وهي القديسة مريم والدة الإله الكلمة. وبهذا اللقب (العذراء) معرفة بالألف واللام، أشار إليها الوحى الإلهي في العهد القديم على فم إشعياء النبى، فقد ورد قوله: "ها إن (العذراء) تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (إشعياء 14:7)" هذا التعريف بالألف واللام يضعنا أمام خطة شاملة وكاملة لحياة العذراء مريم، ولا ينظر إليها من بعض الجوانب وأغفال الجوانب الأخرى. فكما أنها عذراء وهي العذراء من حيث البتولية، فهي العذراء أيضاً التي لم يستطع إبليس الاقتراب منها عن طريق الخطيئة منذ اللحظة الأولى من الحبل بها. فالخطة الخلاصية الموجودة في فكر الله تشمل كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة في مسيرة وخطة الخلاص، ومن الواضح من خلال النبوات والرموز الموجودة في العهد القديم وكل الكتاب المقدس بأن العذراء مريم تدخل ضمن الخطة الخلاصية، بل شريكة متضامنة في عملية الخلاص بأكملها. وليس فقط في لحظة البشارة، وهذا ما نفهمه من الرموز والإشارات الموجودة في العهد القديم وتحقيقها هي والنبوات. فعلى سبيل المثال يفال عنها أنها القبة الحقيقية أو السماء الثانية التي صنعها وزينها الآب بنفسه، لتكون أجمل هدية منه مقدمة لابنه. فهي هدية الآب  لأبنه يسوع المسيح، ولذا كان لابدَّ أن يقدم أجمل ما يمكن أن يقدمه. وهي أيضاً هدية الروح القدس لشخص المسيح، ولذا زينها بالنعمة والبراءة المرموز عنها بالانوار وبالذهب الموجود في تابوت العهد أو في القبة الحقيقية. وكانت السيدة العذراء هي هدية الابن لذاته لأنها أمه، ولذا فهو أفتداها بدمه وخلصها بشكل  وبطريقة فريدة، لم يسبق لها مثيل. لقد كانت مريم العذراء هي قمة تاريخ الخلاص أو هي النقطة الحقيقية للوصول للخلاص، وذلك بانتصارها هي وأبنها على الشيطان وأعوانه، وهذا ما لا يتم أبداً، إلاَّ ببراءة مريم من الخطيئة الآصلية وهذا ما أرادت النصوص الطقسية أن تنطق به في اللحظة التي لا يقبلها البعض من ممارسي هذا الطقس. لقد تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبه مريم العذراء ، فأرسل أبنه الوحيد مولوداً منها. وهنا أدعو كل المعترضين على عقيدة الحبل بلادنس أو براءة مريم من الخطيئة إلى قراءة بل إعادة النظر فيما تحمله النصوص الطقسية في الليتورجية القبطية. وأتمنى أن تكون هذه النصوص والآراء قد تساعدت بعض أقطاب الكنيسة الأرثوذكسية على التعديل عن آراها في موضوع الحبل بلا دنس. 

إن عصمة مريم العذراء من الخطيئة الاصلية تحطّ من منزلة ابنها. أو ليس بالضدّ يكون تجسده من أمّ لاعيب فيها ولا دنس هو اشرف وأجلّ. فالزعم بأن مريم العذراء لم يُحبل بها بلادنس يحطّ من منزلة وشرف الأم والابن معاً.

ان داود الملك لَّما هيأ كلَّ ما كان لازماً لتشييد هيكل الله في أورشليم بنوع لائق بالرب قال: "والعمل عظيم لأن الهيكل ليس لبشر (لإنسان) بل للرب الاله" (أخبار الايام الاول 1:29). فكم بالحري يلزمنا ان نعتقد ونعترف بأن الاله الكلي القداسة لما هيَّا لابنه مسكناً وهيكلاً وأما لزم ان يجلها بالقداسة والنقاوة لنكون مسكناً لائقاً بابن الله وامَّا لائقة بهِ لئلا يكون تجسده من أم مَعيبة بجريرة الاثم والمعصية ولئلا يستطيع لوسيفوروس (الشيطان) ان يعيَره بانه وُلد من ام كانت في وقت من الاوقات اسيرة له وخاضعة لسلطته الجهنمية وعدوَّة لله. حاشا لام الله من هذا العيب. فان الله سبق ودَّبر ما يليق بكرامة ابنه الالهي وحفظ هذه الوالدة بريئة من دنس الخطيئة الاصلية.

والقديس اندراوس الاقريطشي يوضح رأيه جليَّا في الحبل بمريم بلادنس ويسميها: "باكورة طبيعتنا وارضاً طاهرة وبلاعيب أخذ منها آدم الجديد جسده". وإليك نص كلامه: "اليوم آدم يُقدم لله باسمنا الباكورة المختارة من بيننا وهذه الباكورة هي مريم.. انَّ فادي الجنس البشري الذي كوَّن آدم الاوَّل متخذاً تراباً من أرض عذراء وغير ممسوسة اذ اراد الآن ان يستبدل هذا التكوين الاول بتكوين جديد وخليقة جديدة ويُهيئ لهذه الغاية تجسده الذاتي اصطفى من كل الطبيعة هذه العذراء الطاهرة الفائقة النقاوة المأخوذة من بيننا" (في خطبته الاولى عن ميلاد امّ الله)    

أنه اذ كان الشيطان هو رأس الخطيئة الاصلية فمريم قد سحقته لأن الخطيئة لم تجد في نفسها النقية مدخلاً فوُجدت بريئة من كل دنس.

خلاصة الاعتراضات ( وخاصة في الكنيسة الأرثوذكسية ) وذلك من خلال أربعة بنود:

1 – شمولية الخطيئة، ووجوب وراثتها لكل البشر العاديين .







فالله قد أنعم على مريم العذراء بملءالنعمة والقداسة، وقد تجاوبت مريم مع هذه النعمة، فلم تقترف أيّة خطيئة وبقيت "منزّهة عن كل عيب"، و"كاملة القداسة". ولكنّ هذه النعمة لا تعني، في نظر الكنيسةالأرثوذكسية، عصمة من الخطيئة الأصليّة. لأنّ مثل هذه العصمة، حسب قول أحدالأرثوذكسيّين، "تحرم مريم العذراء من صلتها الصميمة العميقة بالإنسانية"، وتسلبالحرّية الإنسانية كلّ قيمتها، وتقطع "الاستمرارية مع قداسة العهد القديم، تلكالقداسة التي تجمّعت من جيل إلى جيل لتكتمل أخيرًا بشخص مريم العذراء الكلّيةالطهارة التي بطاعتها المتواضعة خطت الخطوة الأخيرة التي كان على الإنسان أن يخطوهالكي يصبح عمل خلاصنا ممكنًا. فعقيدة الحبل بلا دنس، كما عبّرت عنها كنيسة رومية،تقطع هذه الاستمراريّة المقدّسة "لأجداد الإله الأبرار" التي تجد نهايتها في "هوذاأنا أمة الربّ".

ثم "إنّ التحديد: "امتياز معطى للعذراءتوقّعًا للاستحقاقات التي سيكتسبها ابنها"، يأباه فكر الارثوذكسية التي لا تستطيعقبول هذا الميل الحقوقي في التفكير، المبالغ به، والذي يطمس الطابع الحقيقي لعمليةفدائنا ولا يرى فيها سوى عملية "استحقاق" مبهم للمسيح، منسوب إلى كائن بشري، قبلآلام وقيامة المسيح وقبل تجسّده أيضاً، وذلك بقرار خاص من الله".

        وعلينا أن نذكر هذا  الاعتراض الذي يقول: "إن التعليم الروماني الغربي عن الحبل بلادنس يبدو أنه يكسر هذا  التسلسل المستمر الذي لقداسة العهد القديم الذي يبلغ إلى كماله في لحظة البشارة حينما نزل الروح القدس على العذراء ليؤهلها لتقبل كلمة الآب في أحشائها. الكنيسة الأرثوذكسية لاتقبل فكرة إن القديسة العذراء كانت هكذا معصومة من جملة باقي البشرية بمقتضى فكرة امتياز يجعلها إنسانة مفدية بل عملية الفداء تتم بفضل إستحقاقات إبنها المستقبلية. إننا نكرم والدة الإله أكثر من أي مخلوق آخر ليس عن إمتياز قبلته في لحظة الحبل بها من والديها، بل أنها كانت طاهرة ونقية من كل خطية (لما حل الروح القدس عليها إعداد للتجسد)، ولكن هذه القداسة لا تضعها خارج نطاق البرية قبل المسيح. إنها لم تكن في لحظة البشارة في حالة مشابهة لحواء قبل السقوط. فحواء الأولى "أم كل حي"، أمالت أذنها لكلمات المخادع وهي في حالة الفردوس، وفي حالة البشرية البريئة (قبل السقوط). وحواء الثانية التي اختيرت لتصبح والدة الإله – سمعت وأدركت الكلمة الملائكية وهي في حالة البشرية بعد السقوط...

       هذا هو السبب الذي لأجله لا يجعلها الاختيار الفريد منفصلة عن باقى البشرية، عن جميع آبائها وأمهاتها وإخوتها القديسين أو الخطاة الذين تمثل هي أفخر أعضائهم.

       وكسائر الكائنات البشرية، مثل يوحنا المعمدان، الذي يعتبر الحبل به وميلاده، أيضاً أعياداً لدى الكنيسة، ولدت القديسة العذراء تحت ناموس الخطية الأصلية، مشتركة مع الجميع في المسئولية العامة للسقوط. ولكن ما أمكن للخطية أن تصير كيانها في شخصها، فميراث السقوط الخاطيء ليس له سيادة على إرادتها الصالحة. هنا كانت قمة القداسة التي يمكن أن يبلغ إليها أحد من ذرية آدم قبل المسيح،   وفي ظروف العهد القديم، لقد كانت بلا خطية في وقت السيادة الشاملة للخطية، كانت نقية من أي إغراء وسط أناس مستعبدين بواسطة رئيس هذا العالم. إنها لم توضع فوق التاريخ حتى ما تخدم قضاء إلهياً خاصاً، بل حققت دعوتها الفريدة وهي بعد تحت قيود التاريخ، مشتركة في المصير العام لكل الناس المنتظرين الخلاص. ونحن إن كنا نرى في شخص والدة الإله قمة قداسة العهد القديم، فإن قداستها الشخصية ليست محددة بها، لأنها تجاوزت بالمثل القمم العالية التي للعهد الجديد محققة أعلى قداسة يمكن أن تبلغ إليها الكنيسة.

       لقد أخذت حواء الاولى من آدم، وكانت حينما خلقها الله إنسانة إتخذت طبيعة آدم لتكون له، ونجد علاقة معكوسة في حالة حواء الجديدة: فمن خلالها صار ابن آدم الأخير حينما إتخذ الطبيعة البشرية. لقد كان آدم قبل حواء، أما الثاني فكان بعد حواء الجديدة. ومع ذلك فلا نستطيع القول إن البشرية التي إتخذها المسيح في رحم القديسة العذراء كانت إمتداداً لبشرية أمه. إنها حقاً بشرية الأقنوم الإلهي، بشرية "الإنسان الثاني الرب من السماء" (1كو 47:15) الطبيعة البشرية لوالدة الإله تختص بشخص مخلوق من نتاج "الإنسان الترابي" إنها ليست والدة الإله، بل ابنها، الذي هو رأس البشرية الجديدة، "وإياه جعل رأساً فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده" (أف 22:1). وعلى ذلك فالكنيسة هي تكميل بشريته. لذلك فإنه من خلال إبنها وفي كنيسته، إستطاعة والدة الإله أن تبلغ إلى الكمال المحفوظ لأولئك الذين يحملون صورة "الإنسان السمائي"...فبعد أن قدمت طبيعتها البشرية لابن الله، طلبت أن تقبل من خلاله ما لم يكن لها بعد شركة معه فيه أي المشاركة في الطبيعة الإلهية. إنه في ابنها يحل ملء اللاهوت جسدياً (كو 9:2). إن العلاقة الطبيعية التي ربطتها بالله المتأنس لم تضفى بعد على شخص والدة الإله حالة المخلوق الشريك في الطبيعة الإلهية، بالرغم من أن نزول الروح القدس يوم البشارة جعلها لائقة لتقييم عملها الفريد. وبهذا المعنى قوالدة الإله ظلت تنتمى قبل يوم البنطيقستي وقبل الكنيسة، إلى بشرية العهد القديم، أولئك الذين كانوا ينتظرون موعد الآب "متوقعين أن يتعمدوا بالروح القدس" (أع 4:1-5).

       إن التقليد يرينا والدة الإله في وسط التلاميذ في يوم  البنطيقستي وهي تتقبل معهم الروح القدس، الذي وصل إلى كل واحد منهم كلسان ناري مستقل. وهذا يوافق شهادة الأعمال، بعد الصعود إذ كان الرسل "يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته" (أع 14:1) "ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة" (أع 1:2) لقد قبلت والدة الإله مع الكنيسة آخر شيء بل والشيء الوحيد الذي كان ينقصها حتى ما تنمو إلى "إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح" (أف 13:4)"

يتحدث الأب فاضل سيداروس عن معاني الحبل من عذراء:



 

أعطي الأب فاضل سيداروس وهو من كبار اللاهوتيين المعاصرين في الكنيسة القبطية الكاثوليكية، الإجابة الواضحة على تخوفات أصحاب الرأي السابق، وخاصة العلاقة بين الخلق القديم والخلق الجديد والأستمرارية فيما بينهما. كما أن عقيدة الحبل بلادنس لا ينظر إليها نظرة منفردة بعيداً عن تاريخ الخلاص العام، وبالتالي الحديث عنها دائماً يكون مرتبطاً بيسوع، وليس بمعزل عنه. هكذا نفهم من خلال النبوات الموجودة في العهد القديم والتي نذكر منها أثنين فقط  وننطلق من لحظة السقوط "وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلك  ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (تك 15:3)، مروراً باشعياء النبي الذي قال: "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عِمَّانوئيل" (إش 14:7). وهكذا في الرموز الكثيرة الموجودة التي نذكر بعضها: يلاحظ أن قراءات خدمة قداس يوم 16 مسرى، وهو عيد تذكار ظهور جسد العذراء، تدور حول خيمة الإجتماع وقدس الأقداس، وهذا يُعتبر تدعيماً من الكنيسة لوصف العذراء بقدس الأقداس. ويتحدث الأب متى المسكين في تعليقه عن القطعة الثانية من الثيؤتوكية يوم الأحد: "ونلاحظ هنا أن مجد اللاهوت جاء تعبيراً عن تصفيح الذهب فوق الخشب بحيث أن الذهب لم يتحد بالخشب، أي أن كل المواهب الإلهية التي نالتها العذراء كانت مواهب مضافة إليها وظلت كذلك، كما أن الله الذي حل في أحشاتها ولو أنه أخذ جسداً من جسدها إلا أنه ظل منفصلاً عن طبيعتها البشرية ولم يتحد بها. أما الخشب الذي لا يسوس، ففسرته الثيؤتوكية بأنه يعبر عن طهارتها. وهذا في الواقع تفسير رائع يشير إلى تطهير جسد العذراء بالنعمة وبإرادتها، حتى صار لائقاً أن يأخذ منه المسيح جسداً له. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه الحقيقة تلقي ضوءاً كبيراً على سبب التقليد الكنسي القائل بأن جسد العذراء رفع إلى السماء، فالجسد الذي لم يخطئ والذي ظل طاهراً جدير حقاً أن يرفع إلى السماء" 

     ويتحدث الأب متى المسكين عن الصلة القوية والغير قابلة للانفصال الموجودة بين المسيح ووالدته مريم العذراء: "إذن فمحاولة فهم قداسة العذراء أو تكريمها كشخصية مستقلة عن المسيح شيء مستحيل، لأن طبيعة المسيح إن كانت قد أصبحت قادرة على أن تجذب إليها البشرية بدالة العنصر البشري الذي فيها "إذ تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً فيهما كذلك... من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء" (عب 14:2و16)، فبالأولى جداً تصبح "الأم" التي أعطته من لحمها ودمها هذا العنصر البشري في طبيعته الكاملة، القائم بها حتى الآن وإلى الأبد، ذات اتصال دائم ووثيق به.

     ولو أننا نؤمن إيماناً قاطعاً أن هذه الصلة الدائمة الوثيقة التي بين العذراء الأم والمسيح الإله الإبن، لم تبلغ أوجها المستحق التكريم الكليَّ إلا بعد قبول مريم العذراء حلول الروح القدس عليها مرة أخرى يوم الخمسين ونوال قوة من الأعالي أيضاً والإمتلاء مرة أخرى من النعمة للتأهيل الجديد للإتحاد بجسد المسيح السري.

     لذلك لا يغيب قط عن ذهننا الأرثوذكسي ونحن نقدم التكريم لمريم العذراء، أن هذه الكرامة إنما هي قائمة ودائمة بسبب المسيح الذي أخذ جسده منها "كأم" بفعل المحبة، ثم بسبب المسيح الذي اتحدت هي به "كإبنة" بفعل الإيمان والرجاء "إسمعي ياإبنتي وانظري وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك. فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له" (مز 10:45و11)

     وهكذا تحمل لنا كلمة "الثيوتوكس" فعل محبة من الله حقيقية قادرة على التجسد، وفعلى إيمان ورجاء إنسانيين قادرين على الإتحاد بالطبيعة الإلهية، أفعال ثلاثة متجسمة في شخص مريم العذراء. لذلك نرى أن كلمة "الثيؤتوكس" والدة الإله، لا تقف عند حدود العقيدة الفكرية، وإنما تغطي حاجة الإنسان القلبية من محبة الله لنا في أعلى صورها ومن الاستجابة لهذه المحبة بالإيمان والرجاء في أكمل غايتهما"

     وبالبحث عن هذه العلاقة الموجودة بين الأبن يسوع المسيح والأم مريم العذراء نجد أنها قديمة جداً، ولا تقتصر على لحظة البشارة كما يريدها البعض. فإذا كانت قضية الخلاص والفداء لها جذورها التاريخية منذ لحظة السقوط، ومن قبل ذلك بكثير من قبل التاريخ. والطقس القبطي  يقول: " الآب تطلع من السماء، فلم يجد من يشبهك، أرسل وحيده، أتى وتجسد منك" (ثيؤتوكية الأربعاء). معنى هذا الكلام ان الآب فتش وبحث بين كل نساء العالم ولم يجد من يشبه مريم في جمالها ونقائها وطهارتها، فأرسل أبنه يسوع الأبن الحبيب مولوداً منها. بل لقد كانت مريم موجودة في خطة الله الخلاصية منذ البداية، وليس فقط في لحظة البشارة كما يعتقد البعض. لقد شبه الأنبا تيموثاوس الله بالمهندس الأعظم الذي يخلق الأشياء في أسمى صورة. خلق له مسكناً نظيفاً طاهراً وجهزه بكل ما يلزم لاستقبال الرب الخالق بحيث أن هذا الذي صنعه هذا المهندس الأعظم لم يكن فيه نقص وقد صنعه الله الخالق العظيم، والذي يدعوه الكتاب المقدس قائلاً: " ما أعجب أعمالك يارب كلها بحكمة صنعت" أما المسكن العظيم الذي صنعه الرب لسكناه فهو مريم العذراء التي صارت أطهر من السماء وأقدس من الهيكل لاحتوائها في بطنها الطاهر. من لم تحوه السماء والأرض"   

     ونعود مرة أخرى للاقتباس من الأب متى المسكين والذي يوضح لنا الصلة القائمة بين المسيح والعذراء مريم والدته: "ومن هنا يتضح بصورة قاطعة أن ما يخص العذراء مريم يدخل ضمن الإيمان المسيحي بالضرورة، لا مناص. هكذا نرى أن "الثيؤتوكس" كلمة عميقة تعتبر في العقيدة الأرثوذكسية مدخلاً رسمياً للإيمان المستقيم، وأي محاولة للتخلص من هذه الكلمة يخلخل الإيمان المسيحي من أساسه. وبالتالي نري أن المدخل الوحيد لفهم شخصية العذراء مريم فهماً سليماً، وهو من جهة طبيعة المسيح المتحدة من اللاهوت والناسوت المولودة منها. فمريم العذراء في الحقيقة عنصر أساسي في التجسد: "وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء" (قانون الإيمان). إذن فمحاولة فهم قداسة العذراء أو تكريمها كشخصية مستقلة عن المسيح شيء مستحيل، لأن طبيعة المسيح إن كانت قد أصبحت قادرة على أن تجذب إليها البشرية بدالة العنصر البشري الذي فيها "إذ تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً فيهما كذلك... من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء" (عب 14:2-16)، فبالأول جداً تصبح "الأم" التي أعطته من لحمها ودمها هذا العنصر البشري الذي في طبيعته الكاملة، القائم بها حتى الآن وإلى الأبد، ذات اتصال دائم ووثيق به. ولو أننا نؤمن إيماناً قاطعاً أن هذه الصلة الدائمة الوثيقة التي بين العذراء الأم والمسيح الإله الإبن، لم تبلغ أوجها المستحق التكريم الكليّ إلا بعد قبول مريم العذراء حلول الروح القدس عليها مرة أخرى يوم الخمسين ونوال قوة من الأعالي أيضاً والإمتلاء مرة أخرى من النعمة للتأهيل الجديد للإتحاد بجسد المسيح السري. لذلك لايغيب قط عن ذهننا الأرثوذكسي ونحن نقدم التكريم لمريم العذراء، أن هذه الكرامة إنما هي قائمة ودائمة بسبب المسيح الذي أخذ جسده منها "كأم" بفعل المحبة/ ثم بسبب المسيح الذي اتحدت هي به "كأبنة" بفعل الإيمان والرجاء "إسمعي يا إبنتي وانظري وأميلي أذنيك وانسي شعبك وبيت أبيك. فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له" (مز 10:45-11). وهكذا تحمل لنا كلمة "الثيئوتوكس" فعل محبة من الله حقيقية قادرة على التجسد، وفعلى إيمان ورجاء إنسانيين قادرين على الإتحاد بالطبيعة الإلهية، أفعال ثلاثة متجسمة في شخص مريم العذراء. لذلك نرى أن كلمة "الثيئوتوكس" والدة الإله، لا تقف عند حدود العقيدة الفكرية، وإنما تغطي حاجة الإنسان القلبية من محبة الله لنا في أعلى صورها ومن الإستجابة لهذه المحبة بالإيمان والرجاء في أكمل غايتها"

8 آراء اللاهوتيين ا لأرثوذكس في العقيدة .

لنرى مثلاً : ثيؤذوسيوس بطريرك الأسكندرية (من سنة 565 إلى سنة 600) يذكر القرار الصادر من الله بعد خطية آدم ويقول : "أن نوعية وفاة مريم يشبه موت المسيح، وهو لم يريد أن تموت العذراء ولكن قال لا يشك أحد في الجسد الذي أخذته منك يقول على لسان المسيح" يا والدتي الجميلة حينما عصى آدم أمري أنزلت عليه قرار بالموت، أنا نفسي وإن كنت حياة كل بشر ذقت الموت في جسدي الذي أخذته منك الآتي عن جسد آدم جدك لكن حيث أن لاهوتي كان متحداً به لذلك أقمته من الموت، وكنت أود أن لا تذوقي الموت لأرفعك إلى السماء مثل أخنوخ وإيليا ولكن إذا حدث ذلك فيك فإن الناس الأشرار قد يصل لهم التفكير أنك قوة ما نزلت من السماء وأنك أعطيت تدبيراً ظاهراً فقط، فالمسيح وإن كان مات لأجل خلاص البشرية فهو لم يمت لأنه تأثر بالخطيئة الأصلية، والعذراء لم تمت أيضاً لأنها كانت متأثرة بالخطيئة الأصلية بل لكي لا يشك البشر في تجسد المسيح وحقيقته"

برديه في القرن السادس. موجودة في سان سبور بألمانيا يوجد نص مكتوب فيه :

"السلام عليك يا ممتلئة نعمة الرب معك أنت قد أخترت كإناء غاية الطاهرة كأم الله مثل إناء ثمين على الدوام".

الأنبا ساويرس أبن المقفع ( القرن العاشر )، عنده عبارات كثيرة تشيد بكرامة مريم إلا أنه لم يتكلم على أنها لم تولد بالخطيئة الأصلية.

"كان تجسد المسيح من أطهر بني آدم جسماً وأكرمهم حباً وأشرفهم نسباً، فمريم البتول التي اصطفاها وانتخبها ونظفها من الأوساخ الدنيونية، ولم يخطر على قلبها ارتكاب معصية ولا اقتراف خطيئة، ثم طهرها بحلول الروح القدس وخلق منها جسماً أتحد به المسيح واحتجب فيها "

فهو يقول لم يتسرب إلى فكرها أي فكر آثيم، فهي ابنة آدم ومع ذلك فهي ممتلئة نعمة وهي التي اصطفاها الله وانتخبها، ( ولم يذكر فترة أو زمن اختيارها ) ثم طهرها بحلول روحه القدوس عليها وهذه العبارة لا تفيد حلول الروح القدس وبدأ التقديس بل ازدياد في هذه النعمة والقداسة، لأن مريم كانت قديسة وممتلئة نعمة حسب كلامه في أول العبارة.

9- ميامر السيدة العذراء مريم:

أ- ميمر ميلاد السيدة العذراء للقديس مار إفرام السرياني: "... وكانت القديسة حنة تقول وهي تبكي بكاءاً مراً أنت ياربي العظيم وحدك والقادر على كل شيء. بمن أُشبه نفسي الحقيرة فإن الطيور والبهائم وسائر الوحوش على اختلاف أجناسها ترزق نسلاً أما أنا فقد نُزعت مني الثمرة وصرت عاراً بين أبناء جنسي وليس لي من يخلفني. أسألك أيها الرب الجالس على الكرسي الشاروبيمي أن تسمع صلاتي ودعائي وترزقني نسلاً يُسر به قلبي. وفيما هي تصلي إذ ظهر لها الملاك الجليل جبرائيل بنور سماوي وقال لها: ياحنة إن الله سمع دعاءك وصلواتك وأنك ستحبلين وتلدين ابنة مباركة، وسيكون لها الطوبى في جميع الأجيال وفي كل أقطار المسكونة، ومنها يكون الخلاص لآدم وذريته ومن أسر إبليس. فأجابت قائلة: حي هو الرب إني لو رُزقت بمولودة كما قلت لقدمتها قرباناً للرب لِتخدمه كل أيام حياتها في هيكله المقدس، ثم تركها الملاك وتوجه إلى يواقيم حيث كان في البرية يصلي إلى الله ويسأله بتضرع مدة أربعين يوماً وهو ضائماً فقال له أيها الرجل المبارك لماذا أنت مكتئب القلب فإن الله اختارك وأكرمك أكثر من بني إسرائيل. قال له من أنت الذي اخاطبني. فقال له الملاك أنا هو جبرائيل الواقف أمام كرسي الرب الإله الذي أرسلني إليك لأبشرك قم وأمض إلى زوجتك المباركة حنة فإنها ستحبل وتلد ابنة عذراء وتدعوها مريم ومنها يكون خلاص آدم وذريته.

ولما قال هذا غاب عنه فقام يواقيم وجاء إلى زوجته فخاطب بعضهما بعضاص بما قاله لهما الملاك ثم صنعا وليمة عظيمة لكهنة وشعب الرب واخذا قرباناً وذبائح وبخوراً ومضيا لتقديمهما لله ذبيحة مرضية وقالا إن الله قيل دعاءنا وذكرنا فالكاهن يقبل قرابيننا ويقدمها أمام الله، فلما وصلا خرج الكهنة إلى يواقيم وقالوا افرح فإن الله قدسمع لك. ثم أسرعوا وقدموا القرابين على المذبح، وفي تلك الساعة صعدت إلى الله ذكراً طيباً ثم بارك الكهنة يواقيم وحنة زوجته وانصرفا وهما يسبحان الله ويقولان: تباركت يا الله يامن قبلت دعاءنا وسمعت طلباتنا. ثم انفردت حنة في مكان للصوم والصلاة فلم تأكل شيئاً دسماً وكانت تصنع صداقات كثيرة للفقراء والمساكين والضعفاء وذوي الحاجة. وفي صبيحة اليوم الأول من شهر بشنس وضعت العذراء مريم الطاهرة بوجه ممتليء من نعمة الروح القدس ودعتها مريم كبشارة الملاك لها قبل الحبل بها. وكان سرورهما في ذلك اليوم عظيماً جداً وقدما القرابين شكراً لله وتصدقا على الفقراء والمحتاجين بشيء كثير ولبثا كذلك حتى العام الثالث ومن ثم قدماها إلى هيكل الرب وهي تنمو كل يوم ويزاد وجهها حسناً ونوراً ساطعاً وهدوء وسكينة وكرامة، إلى أن أتاها ملاك الرب وبشرها بقبول الكلمة وفعلاً تم ذلك. وكمل الخلاص لآدم وذريته بحلول الابن داخل أحشائها الطاهرة."

ب- ميمر دخول العذراس الهيكل للقديس كيرلس أسقف أورشليم: "... فلما سمع زكريا هذا تعجب كثيراً وبارك الله وقص  رؤيته على زوجته أليصابات التي قامت مسرعة معه حيث توجد العذراء البتول، فلما وصلا سلما على حنة ويواقيم اللذين تجمعهما رابطة القرابة، وبعد هنيهة من الزمن قام الكاهن العظيم زكريا وشرح ما سمعه من الملاك بشأن العذراء فأجابته والدتها قائلة: ياأبي القديس إن كل  ما أومأت به قد قيل ليَّ قبل أن أحبل بها وقد سبقت فأنذرت أن كل ما يعطي لنا ذكراً أم أنثى ندفعه لخدمة الرب داخل هيكله المقدس، فبارك زكريا السيدة العذراء وانثنى راجعاً هو وزوجته المباركة إلى مدينته بسلام... وكان ذلك في اليوم الثالث من شهر كيهك.... والأمر العجيب الذي احتارت فيه فلاسفة بني إسرائيل أن الصبية لما تركها أبواها ومع حداثتها لم تتألم ولم تبك ولم تقلق بل ظلت ساكتة ساكنة بالهيكل وهي تنمو كل يوم حتى أنها كانت موضوع حديث بني إسرائيل. وكان الكثير يقصدون إلى الهيكل لينظروا مريم ابنة يواقيم ويحمدوا الله لأن خضوعها ووداعتها كان ظاهراً في حياتها"

وخلاصة هذه الميامر هي ان القديسة حنة، أم والدة الإله، قد حبلت بمريم كما تحبل سائر النساء؛ بيد أن العذراء وان حبلت بها أمها على طريقة البشر، فان نفسها كانت حاصلة على نعمة القداسة، ومن ثمّ خالية من كل خطيئة، منذ ان خلقها الله وأتحدها بالجسد في أحشاء أمها حنة.

وواضح أيضاً من خلال هذه الميامر بان تعامل الله مع مريم، لم يكن في لحظة تبشير الملاك جبرائيل بالحبل الإلهي، ولكن توجد قصة ويوجد تاريخ عظيم وكبير وممتد بين الله والعذراء مريم لأجل أبنها يسوع وفداء البشرية.

ونلاحظ أيضاً بأن هناك تشابه في الميامر بين قصة تبشير والديَّ العذراء مريم (حنة ويواقيم) وقصة تبشير العذراء مريم عن طريق الملاك حبرائيل.

توجد علامة لوجود النعمة والبراءة والقداسة وهذا ما عبرت عنه الميامر: " وهي تنمو كل يوم ويزاد وجهها حسناً ونوراً ساطعاً وهدوء وسكينة وكرامة، إلى أن أتاها ملاك الرب وبشرها بقبول الكلمة وفعلاً تم ذلك. وكمل الخلاص لآدم وذريته بحلول الابن داخل أحشائها الطاهرة"، "والأمر العجيب الذي احتارت فيه فلاسفة بني إسرائيل أن الصبية لما تركها أبواها ومع حداثتها لم تتألم ولم تبك ولم تقلق بل ظلت ساكتة ساكنة بالهيكل وهي تنمو كل يوم حتى أنها كانت موضوع حديث بني إسرائيل. وكان الكثير يقصدون إلى الهيكل لينظروا مريم ابنة يواقيم ويحمدوا الله لأن خضوعها ووداعتها كان ظاهراً في حياتها". أليست هذه العلامات التى لفتت نظر الجميع هي علامات فريدة من نوعها تجعل العذراء مريم شخصية فريدة في نوعها في كل تاريخ الخلاص. فتصرفات الإنسان تكشف ما يكمن في أعماقه، كما أن ما ينطق به اللسان يكشف مكنونات القلب. ويقدم الكتاب المقدس لنا شخصيات عظيمة متواضعة مع أن الله منحها كل شيء بسخاء فموسى الذي مكث في حضرة الرب وقتاً طويلاً حتى انعكست نعمة الله على وجهه ببهاء فصار وجهه يلمع حتى خاف الشعب أن يقتربوا إليه لم يكن يعلم أن جلد وجهه صار يلمع (خر 29:34). 

10 عقيدة الحبل الأطهر كما وردت في القرآن:

يقول القرآن

"وأني (المتكلم هو حنه ) أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم"( آل عمران 36).

وفي حديث شريف للنبي نقله البيضاوي "ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مسه إلا مريم وأبنها "

ويقول في صحيح البخاري وصحيح مسلم" ما من مولود يولد إلا ويطعنه الشيطان في جنبه فيستهل صارخاً من  الشيطان إلا مريم وابنها فذهب الشيطان ليطعن فطعن في الحجاب، فلم تنفذ إليها الطعنة".

ويقول القرآن أيضاً يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك على نساء العالمين (آل عمران : 42).

ومعنى التطهر هنا تقريباً عند الجميع أن الله آتي مريم أن تكون طاهرة من جميع الأدناس ( حقيقة أم مجاز ) ومن كل وصمة للنفس والجسد وهكذا كانت مريم على أتم استعداد ليتدفق الروح القدس فيها. هذا يوضح لنا الرأي السائد عن العذراء في القرن السابع لأن الإسلام متأثر بالمسيحية في عصره.

الخلاصة :

الحبل بلا دنس عقيدة إيمان يجب على كل مؤمن أن يؤمن و أن يسلم  بها خاصة الذين هم داخل الكنيسة الكاثوليكية، وعقيدة الحبل بلا دنس مرتبطة ارتباط وثيق بسر الخلاص الذي هو بمثابة خلق جديد، لأنه فعل به جدد الله العالم بعد عبور سد الخطيئة، وأن الحبل بلا دنس هو الخطوة الأولى في هذا الخلق الجديد وفي نهاية الأمر تقول مع كاتب سفر نشيد الأنشاد أنت جميلة يا خليلتي ولا عيب فيك هذا القول الذي ينطبق على العذراء القديسة الخالية من الخطيئة أيا كان نوع هذه الخطيئة ولأنها ممتلئة نعمة.

 عصمة العذراء مريم في التقليد الشرقي

 

1 أسماء العصمة، عصمة العذراء مريم

الحبل بلا دنس – الحبل الأطهر – العصمة من الخطيئة الأصلية، مريم دائمة القداسة – كلية القداسة، دائماً  منعم عليها، دائمة في نعمة الله، مباركة على الدوام بل وحدها مباركة.

أقوال الآباء القديسين الشرقيين :

القديس غريغوريوس النزينزي يقول :"أن العذراء مريم تطهرت نفساً وجسداً قبل أن تصير أماً لله" وكان يقصد هذا القديس أن العذراء طاهرة ليس عند ساعة بشارتها، ولكن منذ ساعة الحبل بها.

 الراهب ثيوغنوسطس يقول : "يقولون أن الله تدخل بفعل مباشر لتقديس حبل حنة بوالدة الإله"

بعض أقوال الآباء قبل مجمع نقيه، يقولون

 "أن الرب بغير فساد من حيث هو إنسان لأنه من حيث هو إنسان لأنه من شجرة غير فاسدة أي من العذراء والروح القدس: وأن المسيح الطاهر قد اقتنصته عذراء طاهرة" "والطاهر يخرج بوجه طاهر من الأحشاء الطاهرة التي أوجدها هو نفسه طاهرة" "فهي وأبنها حواء وآدم الجديدان اللذان يحملان نير الجنس البشري ، ٳنهما الأولان وٳن ظهرا متأخرين فيسوع أتم آدم ومريم أتمت حواء وكلاهما رأس البشرية الذي آتاها العودة إلى عدم فسادها الأول وعمل الخلاص واحد أشترك فيه الابن والأم معاً" "المسيح أخذ من التي هي من آدم ، من مريم صورة الخليقة الأولى أي صورة آدم قبل الخطيئة ومعلوم أن العذراء لا تستطيع أن تعطيه تلك الصورة ما لم تكن هي نفسها حاصلة عليها ".

من مجمع نقية حتى مجمع أفسس سنة 325 431

 لقد تكلم البعض كتيموثاوس الأورشليمي وأفرام السرياني وايبفانيوس، مقابلةبينهما أي بين مريم وحواء ويرى "أن مريم قد عصمت من الموت، والعصمة من الموت تقتضي حتماً العصمة مما يسبب الموت أي الخطيئة الأصلية" ويقول البعض أنها من كل وجه ممتلئة نعمة" ويقول البعض أنها "التابوت المقدس والمرأة التي سحقت رأس إبليس والطاهرة وحدها نفساً وجسداً والكاملة القداسة" وإذ يقابل بينها وبين حواء فيقول : "كلتاهما بريئتان وكلتاهما صُنعتا متشابهتين من كل وجه ولكن أحدهما صارت من بعد سبب موتنا والأخرى سبب حياتنا والبعض يقول " في الحقيقة أنت يا رب وأمك جميلان وحدكما من كل وجه وحيثية إذ ليس فيك يا رب ولا وصمة وليس في أمك لوثة ما البتة"

فبروكلس( أباء القرن الخامس ) بطريرك القسطنطينية يقول : "لم يكن ليوسف ليذكر أن مريم التي صنعت من تربة طاهرة كانت معدة لكي تصير هيكلاً لله".

ويقول في موضع آخر أنها مقدسة العصمة من الخطيئة وهيكل الله الأقدس، والقديسة جسداً ونفساً والكرة السماوية للخليقة الجديدة التي تحمل شمس العدل المشع على الدوام"

ويقول ثيودوتس أسقف أنقرة تشابيه :

 بدلاً من حواء وسيطة الموت أقيمت عذراء ممتلئة نعمة لتعطينا الحياة – عذراء صنعت بطبيعة المرأة ولكن بدون خبث المرأة عذراء بريئة بدون وصمة كلية الطهر، كاملة، منزهة عن كل لوثة قديسة نفساً وجسداً نبتت كالزنبقة وسط الشوك، عذراء ملتفة بالنعمة الإلهية كرداء منعمة – النفس حكمة إلهية عروس الله بالقلب، وهي المغمورة بالنور،  بل تلاشت كآبة حواء وبها حواء افتديت إذ من القديسة ولد أبن القدوس والكاملة ولدت الكامل، والتي تفوق الوصف ولد منها الذي يفوق الوصف والعلية ولد منها العلي.

ويقول كاهن أورشليمي أسمه هيذيكيوس :

 "أن مريم أكمل جميع النساء ولؤلؤة العذارى والزينة السنية لطبيعتنا ومجد التوبة التي منها جبلنا، أنقذت حواء من خِذيها وآدم من الوعيد الرازح تحته، سحقت شوكة الثعبان الجهنمي كما أن دخان الشهوة لم يبلغ إليها ودودة الأهواء لم تنفذ قط إليها"

ويقول في موضع آخر :" هي الفرع المنزه طبعاً عن كل شائبة وجدع يسى المخصوص على الدوام وبستان الأب وخميلة أطياب الروح بأجمعها والسفينة التي كان الله مهندسها وربانها وقائدها وعدوة الشيطان التي انتزعت منه ملكوته ودحرته في وهاد الدمار وهي أجمل النساء طهراً كما أن ابنها أجمل بني البشر".

ويقول:" وبما أن الإنسان الأول الذي أدخل الموت إلى العالم بالمعصية كان قد حبل من تربة منزهة عن كل لطخة كان لابد لأبن الله المتأنس أن يولد من عذراء بريئة من كل دنس ولطخة لكي يجدد الحياة الخالدة للبشر الذين خسروها بخطيئة آدم".

من القرن السادس إلى القرن التاسع

يقول صفرونيوس بطريرك أورشليم سنة 638م فيتغنى بالفادي الذي " ولج أحشاء مريم المتألقة طهراً ، المعصومة من كل لوثة في النفس والجسد والعقل، البريئة من دنس ولئن كان القديسون الذين ظهروا قبلها كثيرون فما من أحد فيهم كان ممتلئاً نعمة ولا أحد كامل القداسة قبلها ولا أحد تطهر من قبلها ". ويكمل قائلا : "  يقوم هذا الامتياز بأن مريم تطهرت مقدماً وأبناء آدم الآخرين تطهروا عادياً والفرق بين تطهير هؤلاء وتلك أنهم هم تطهروا بعد الوصمة أما هي فقبل الوصمة".

 ويرى صفرونيوس في بشارة الملاك : برهاناً على أن الروح القدس ينزل على العذراء ليجعلها أكثر طهراً أو يوليها نعمته الخصب .

ويقول القديس اندراوس الكريتي سنة 740م في أربع نقاط :









ومن أقواله البليغة: "  أن حبل حنة مقدس وأن مريم هي ابنة الله لا لأنها ابنة الموعد وثمرة قدرة الله التي لا تخصب عقم الشيخوخة فحسب بل أيضاً وبخاصة لأنها الخزف الذى جبله الفنان الإلهي جبلة إلهية والخميرة المقدسة التى سرت فيها الحياة الإلهية، وهي باكورة طبيعتنا ، بها تستعيد البشرية جبلتها الأولى وامتيازاتها القديمة وبها يبدأ تجديد طبيعتنا والعالم العتيق يتقبل باكورة الخليقة الجديدة، لأن جسدها تربة اعتجنها الله بنفسه ولأنها الصورة المماثلة تمام المماثلة للجمال الأول، إذ شاء فادي جنسنا أن يحدث ميلاداً جديداً بدل الأول أختار في الطبيعة كلها هذه العذراء المنزهة تماماً عن كل دنس لكي يحقق تجسده الخاص على نحو ما اتخذ في القديم ، الخزف من تربة أنف ليصنع آدم الأول.

قال أغسطينوس: ومن ثم نعلم كم أعطيت من النعمة للتغلب على الخطيئة من كل الوجوه تلك التي استحقت أن تحمل وتلد ذلك الذي لم يثبت عليه خطيئة فقط في الطبيعة والنعمة

  

يؤكد توماحقيقة امتلاء مريم بالنعمة على الشعار القائل:

"يزداد الشيء من مبدأه كسباً فازداد منه تقريباً "

ولما كانت مريم من حيث أنها أم المسيح الإله، أكثر الخلائق تقرباً ،فيزيقياً وروحياً من المسيح، الذي هو بذاته كإله و كإنسان مبدأ النعمة وجب نتيجة لذلك، أن تكون مريم قد حصلت على أكبر نصيب من النعمة وأن دعوة العذراء إلى أن تصير أم أبن الله لتقتضي وفرة من النعمة الخاصة (القديس توما 3/50:27).



 .



Leave a Reply.