من انجيل القديس يوحنا الرسول 12/12-22

 

لما سمع الجمع الكثير، الذي أتى الى العيد، أن يسوع آتٍ الى أورشليم، حملوا سعف النخل، وخرجوا الى ملاقاته وهم يصرخون: " هوشعنا! مبارك الآتي باسم الرب، ملك إسرائيل". ووجد يسوع جحشاً فركب عليه، كما هو مكتوب: " لا تخافي، يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتي راكباً على جحشٍ ابن أتان". وما فهم تلاميذه ذلك، اول الامر، ولكنهم تذكروا، حين دعا لعازر من القبر وأقامه من بين الاموات، كان يشهد له. من أجل هذا أيضاً لاقاه الجمع، لانهم سمعوا أنه صنع تلك الآية. فقال الفريسيون بعضهم لبعض: " انظروا: انكم لا تنفعون شيئاً! ها هو العالم قد ذهب وراءه!". وكان بين الصاعدين ليسجدوا في العيد، بعض اليونانيين. فدنا هؤلاء من فيليبس الذي من بيت صيدا الجليل، وسألوه قائلين: " يا سيد، نريد أن نرى يسوع". فجاء فيليبس وقال لاندراوس، وجاء اندراوس وفيليبس وقالا ليسوع.

 

***

 

بدخوله الى اورشليم يختتم الرب يسوع حياته العامة التي اعلن خلالها رسالته الخلاصية، تعليماً وافعالاً. ونحن نختتم مسيرة الصوم التي ادخلتنا في عمق العمل الخلاصي، فكانت عودة الى الذات بافعال التقشف والاماتة، تكفيراً عن خطايانا وتدريباً للارادة والسيطرة على الذات؛ وعودة الى الله بالاصغاء الى كلامه الحي، والتوبة عن الحياة السابقة، والمصالحة معه بالمسيح وبدء حياة جديدة؛ وعودة الى الاخوة بترميم روابط الاخوّة من خلال افعال المحبة والرحمة، وبالمصالحة بين المتنازعين. وبذلك " نصل الى الميناء" الروحي لندخل مع الرب يسوع اسبوع آلام الفداء لنموت معه ونقوم قيامة القلوب، فنحقق فصحنا بالعبور الى الحياة الجديدة، ونباشر بناء مدينة الله في مدينة الارض
اولاً، مفهوم حدث الشعانين        1. ملوكية يسوع للخلاص والفداء

يسوع يدخل اورشليم لآخر مرة ليشارك في عيد الفصح اليهودي، وكان مدركاً اقتراب ساعة آلامه وموته. وخلافاً لكل المرات، لم يمنع الشعب من اعلانه ملكاً، وارتضى دخول المدينة بهتافهم: " هوشعنا‍ لابن داود مبارك الآتي باسم الرب، ملك اسرائيل". دخل اورشليم ليموت فيها ملكاً فادياً البشر اجمعين، وليقوم من بين الاموات ملكاً الى الابد من اجل بعث الحياة فيهم. هذا يعني انه اسلم نفسه للموت بارادته الحرّة.

علامتان سبقتا هذا الحدث الخلاصي وكلمات بيّنته. اقام لعازر من الموت فاعطى البرهان على ما سبق وانبأ عنه غير مرة: " انه يتألم ويصلب ويموت وفي اليوم الثالث يقوم". واثناء الوليمة التي اقيمت له قبل اسبوع في بيت لعازر، دهنت اخته مريم رجلي يسوع بالطيب الغالي الثمن، فتنبأ يسوع ان ذلك كان استباقاً لدفنه ( يو12/3-7) أما الكلمات فكانت: ويوم دخوله اورشليم اعلن لبعض اليونانيين الذين جاؤوا الى العيد ان ساعة موته اتت، وهي ساعة انكسار الشيطان وتحقيق خلاص الجنس البشري؛ وشبّه سرّ موته وقيامته وولادة الحياة الجديدة في المؤمنين بحبة الحنطة التي، اذا ماتت في الارض، أعطت ثمراً كثيراً؛ وأكّد انه، بارتفاعه على الصليب وبقيامته وصعوده، يرفع البشرية الى مجد قيامة القلوب استباقاً لمجد السماء (يو12/24-32).

قرر الدخول الى اورشليم لكي يموت فيها، وقد اعلن: " ينبغي الاّ يهلك نبي خارج اورشليم" ( لو13/33)، لانها العاصمة الدينية والسياسية للشعب اليهودي، ولان فيها قُتل جميع الانبياء، بسبب تسييس الدين المترجم بالنظام السياسي التيوقراطي. وقد انذرها بقوله: "اورشليم، اورشليم، با قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اليها. كم مرة اردت ان اجمع بنيكِ، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، فلم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خراباً. فاني اقول لكم: لا ترونني بعد اليوم حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب" ( متى23/37-39).

نادى الشعب به ملكاً يعطي الخلاص: هوشعنا، يا رب خلّص."هوشعنا لابن داود". هذا ما اغضب الفريسيين اذ قال بعضهم لبعض: " ترون انكم لا تستفيدون شيئاً. هوذا العالم قد تبعه" ( يو12/19). لقد جاء قولهم تأكيداً لقرار قتله الذي اتخذه عظماء الكهنة والفريسيون للسبب عينه بعد قيامة لعازر من القبر ( انظر يوحنا 12/46-52).

لكن ملوكية يسوع ليست سياسية زمنية بل روحية ابدية. والمدينة، اورشليم، ليست مدينة الارض بل مدينة الله اي الكنيسة، ابنة صهيون، اورشليم الجديدة. في ضوء موت يسوع وقيامته، اللذين يسميهما يوحنا الرسول " ساعة تمجيد يسوع"،  قرأ هذا الرسول نبوءة زكريا وطبّقها على الحدث: " افرحي، لا تخافي با ابنة صهيون، هوذا ملككِ آتياً اليكِ باراً مخلصاً وضيعاً، يستأصل قوس القتال، ويكلم الامم بالسلام، ويكون سلطانه من البحر الى البحر، ومن النهر الى اقاصي الارض" (زكريا 9/10). ملوكيته هي شمولية الخلاص للبشرية جمعاء.

2. ملوكيته شهادة للحقيقة

سيقول يسوع امام بيلاطس " ان مملكتي ليست من هذا العالم". وعندما سأله اذا كان ملكاً، اجاب: " هو ما تقول، فأني ملك". وشرح ان ملوكيته في الكنيسة قائمة على اعلان الحقيقة التي تخلص: "انا ما ولدت واتيت الى العالم إلاّ لأشهد للحق. فكل من كان من الحق يصغي الى صوتي" ( يو18/36-37).

ابناء الكنيسة وبناتها هم الشهود للحقيقة التي اعلنها يسوع المسيح حقيقة الله والانسان والتاريخ. يشهدون لها بثقافة حياة. عندما يتكلم الارشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان" عن الالتزام السياسي، يدعو المسيحيين لهذه الشهادة، للعيش بموجب هويتهم الجديدة، التي نالوها بالمعمودية، فاصبحوا بفضلها مشاركين في ملوكية يسوع المسيح، ليشهدوا باعمالهم ومواقفهم الصالحة للحقيقة والمحبة. عليهم ان  يبثوا روح الانجيل في الشؤون الزمنية، بحيث يلتزمون بخدمة الشخص البشري والمجتمع، من خلال نشاطاتهم السياسية والاقتصادية والادارية والقضائية والثقافية. على هذا الاساس يتم انتخاب من يجب انتخابهم في المجالس البلدية والاختيارية والبرلمانية وفي النقابات والسلطات العليا. ولكي يشاركوا في ملوكية المسيح، ينبغي ان يتصفوا بالزهد الروحي والتجرد، وبتقدمة الذات والتفاني في خدمة المحبة والحرية والعدالة، وفي ارساء اسس السلام والاخوّة الاجتماعية (الفقرة 113).

هذا المفهوم لملوكية يسوع، ادركه الاطفال عفوياً وبوحي من الروح، اذ هتفوا في الهيكل: " هوشعنا لابن داود ( متى21/15)، كما تنبأ داود في المزمور: " على ألسنة الاطفال والرضّع اعددت لنفسك تسبيحاً" (مز8/3). و “الصغار" في الكتاب رمز الشعب المؤمن الوضيع، المعروف "بفقراء الله"، الذين " بسطوا ارديتهم على الطريق، وقطعوا اغصان الشجر، وفرشوا بها الطريق امام يسوع، وهتفوا: "هوشعنا لابن داود، تبارك الآتي باسم الرب: هوشعنا في الاعالي" ( متى21/8-9). هذه الهتافات هي صدى لهتافات الملائكة ورعاة بيت لحم ليلة ميلاد يسوع. لهذا السبب جُعل الميلاد والشعانين عيد الاطفال، ومن تمثّل بايمانهم وعفويتهم وبساطتهم من الكبار، وهذا شرط لقبول سر المسيح: " ان لم ترجعوا فتصيروا مثل الاطفال، لن تدخلوا ملكوت السموات" ( متى18/3). ولهذا السبب ايضاً اختير عيد الشعانين اليوم العالمي للشبيبة.

       3. صليب الفداء اساس الكنيسة        الكنيسة هي اورشليم الجديدة، مملكة المسيح، مدينة الله في العالم. انها " الشركة مع الله، والشركة بين الناس" المعبّر عنها بصلاة الابانا" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،2790). صليب المسيح، الذي تمّ به فداء العالم ووحدته، هو اساس الكنيسة. لهذا السبب تزامن اعلان مملكة يسوع وملوكيته يوم دخول اورشليم مع قرار قتله واعلانه الشخصي لسرّ موته، كما رأينا. هتاف " هوشعنا" اصبح " إصلبه"‍‍ولا عجب، فاذا ضممنا الكلمتين نقول: " يا رب خلّص بصلبك ‍ ‍‍‍‍‍‍‍ ‍ ‍‍".

       عندما اشتدّ اضطهاد نيرون للكنيسة الناشئة في روما، تراجع بطرس واخذ طريق العودة الى فلسطين، عبر طريق Appia المؤدية الى الشرق. ظهر له يسوع في الطريق. فسأله بطرس: ؟ Quo vadis " الى اين تذهب يا رب؟" فاجابه يسوع: " ذاهب الى روما لاصُلب فيها من جديد!" فارتعد بطرس والتصقت قدماه على حجر الطريق الذي ما زال يحمل علامتهما، حسب التقليد المحفوظ الى اليوم، وأدرك ان عليه هو ان يُصلب، فرجع الى روما. واستشهد صلباً، طالباً ان يكون رأسه مكان قدمي يسوع.

       أحد الشعانين، وهو اليوم الاول من اسبوع الآلام والفصح، قائم على ركيزتين: اغصان النخل والزيتون علامتي الانتصار وصليب الألم من جهة، وعلى " هوشعنا" و " اصلبه"من جهة اخرى. تبسّط اغسطينوس بهذا المفهوم فقال: " الكنيسة تسير نحو نهية الازمنة بين اضطهادات العالم وتعزيات الله". ولان المسيح واجه بحرية تامة الموت على الصليب، وبموته انتصر، تردد الكنيسة: " العالم يُطوى والصليب باقٍ"، مستلهمة ما كتب بولس الرسول في رسالته الى العبرانيين: "وأما في الابن فقال: " كرسيك يا الله الى أبد الدهور. صولجان استقامة صولجان ملكك. أحببت البّر، وأبغضت الإثم، لذلك مسحك الله إلهك بدهن الفرح أفضل من أصحابك". وقال أيضاً " أنت من البدء وضعت أساسات الارض، والسماوات هي صنع يديك. هي تزول وأنت باقٍ، وكلها كالثوب تبلى، وتطويها كالرداء هي تتغيّر وانت كما انت، وسنوك لا تنتهي". (عبر1/8-12).

       بصليبه وطّد السيد المسيح السلام وحقق الخلاص في العالم وتحرير الشعوب، لا بالحرب والاقتتال والعنف والارهاب، بل بموته، فمحا خطايانا فادياً، وبقيامته، فكسب لنا الخلاص مبرراً. نستقبله في الشعانين بالعرفان والحب نحو الذي بذل نفسه من اجلنا. فلم يقاوم ولم يتراجع، بل قدّم ظهره للجلد، ولم يمل وجهه عن الاساءة والقتل ( اشعيا50/4-7).

4.  الشعانين ترسم طريق السلام        ذهب يسوع الى اورشليم ليموت فيها ملكاً وفادياً، ويخلصها. قصة Quo vadis تتكرر اليوم. انه يذهب الى كل بلد ومدينة ومكان فيه قتل واضطهاد، وعنف وحرب وارهاب. لكنه يذهب من خلال ذوي الارادة الطيبة والملتزمين الذين يصمدون في مكانهم، ويتألمون في سبيل خلاص شعبهم ووطنهم.

       طريق السلام يبدأ " بالثقة": " لا تخافي يا ابنة صهيون: ، ثقة بالرحمة الالهية، فيمتلىء القلب سلاماً، ومنه ينتشر في كل مكان. الثقة تنفي اليأس.

       بطرس انكر يسوع  خوفاً، لكنه تاب وبثقته بكى بكاء مراً. يهوذا الاسخريوطي خان يسوع بيعاً بثلاثين من الفضة، لكنه تاب وردّ المال لاصحابه على غير ثقة  فيئس وشنق نفسه. الفرق بينهما ان بطرس وضع ثقته في رحمة الله اما يهوذا فلا.

        قايين قتل اخاه هابيل، وداود قتل اوريا ليتزوج امرأته. لكن قايين يئس من رحمة الله معتبراً ان خطيئته اكبر من ان تُغتفر" ( تك4/13)؛ اما داود فتاب واضعاً ثقته في رحمة الله، وصرخ: " ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، وبحسب كثرة رأفتك امحُ مآثمي" ( مز50/3).

       اللصان اللذان صلبا مع يسوع ارتكبا الخطايا والجرائم فاستحقا عقوبة الصلب. واحد لعن واساء ويئس، والثاني حافظ على الثقة وتاب فصرخ:: " يا يسوع اذكرني متى اتيتَ في ملكوتك". فأجابه" الحق اقول لك: اليوم تكون معي في الفردوس" ( لو23/43).

في عيد الشعانين نجدد الثقة بالفادي الالهي "يسوع المسيح سلامنا" ( افسس 2/14)، ونلتمس منه السلام الآتي من العلى. اننا نلتزم بان نكون فاعلي السلام، ومدافعين عن كرامة الشخص البشري وحقوقه الاساسية، ومساهمين في تعزيز انسنة حقيقية شاملة للانسان والمجتمع. وهكذا ندرك ان " الشخص البشري هو قلب السلام" ( البابا بندكتوس السادس عشر).

ثانياً، اسبوع الآلام ودرب الصليب

 

مع اسبوع الآلام وفصح المسيح الذي هو عبوره من هذا العالم الى الآب بالموت والقيامة، يدخلنا درب الصليب في طريق الملء " لقد تمّ كل شيء" ( يو19/30). انه ملء الالم والحب اللامتناهي، ملء الحقد والشر وكمال الغفران والرحمة، ملء الاتضاع واخلاء الذات وسمو الارتفاع، ملء الصرخة العظيمة وافاضة الروح للحياة الجديدة ( مر 15/37). ساعة الظلمة وصمت المسكونة التي تبكي موت خالقها، وانبلاج فجر القيامة من بطن الارض. انه ملء الرجاء نحو " سماء جديدة وارض جديدة" ( رؤيا 21/1)، الرجاء الذي يعضد المسيحي في سيرة وراء المسيح، الشمس الحقيقي المنير كلَّ انسان، حاملاً صليبه كل يوم من مرحلة الى مرحلة، مؤمناً بالقيامة الى حياة جديدة، وبقيامة مجتمع أفضل.

في المرحلة الثانية عشرة، يسوع يموت فوق الصليب

" من الساعة السادسة الى التاسعة، وقع ظلام على الارض كلها. ونحو الساعة التاسعة، صرخ يسوع صرخة عظيمة وقال: إيل، إيل، لماذا تركتني. وسمع بعض الحاضرين هناك فقالوا: " هو ينادي إيليا. وللوقت أسرع واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلاً، ووضعها على قصبة وسقاه. فقال الباقون: " دعوا للنظر، هل يأتي إيليا يخلصه". وصرخ يسوع ايضاً صرخة عظيمة ولفظ الروح".

"لقد تمّ كل شيء". تحقق تماماً سرُّ حب الله لنا. دُفع الثمن وافتُدينا. لقد اراد الآب بالثمن الغالي، ان نكون غالين في عينيه، فقيمة الشيء من ثمنه. والثمن هو موت ابن الله في طبيعتنا.

في المرحلة الثالثة عشرة، مريم تحتضن ابنها ميتاً منزلاً عن الصليب

مريم في البشارة "احتضنت" الكلمة واصبحت امّ يسوع التاريخي، ام الاله الذي صار انساناً. وعلى اقدام الصليب احتضنت جثمان يسوع واصبحت ام المسيح السرّي، ام جسده الذي هو الكنيسة. وهي امومة تسلمتها من ابنها المعلّق على الصليب: " يا امرأة هذا ابنك! يا يوحنا هذه امك" ( يو19/26-27).

في المرحلة الرابعة عشر، يسوع يُدفن في قبر

" ولما كان المساء، جاء رجل غني من الرامة، اسمه يوسف، وكان هو ايضاً قد تتلمذ ليسوع. فهذا قََدِمَ الى بيلاطس، وطلب جسد يسوع، فأمر بيلاطس أن يعطى له الجسد. فأخذ يوسف الجسد، ولّفه بكفن من كتان نظيب، ووضعه في قبر له جديد، منقور في صخرة، ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى. وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الاخرى، جالستين تجاه القبر".

يسوع في بطن الارض، مثل حبة الحنطة التي تموت في الارض وتعطي ثمراً كثيراً. يلج مثوى الاموات ويقيمهم في صمت سبت النور. ومن القبر بدأ عالم جديد من الحرية والحب والفرح من دون حدود.

ثالثاً، الخطة الراعوية

 

نختم اليوم تقبل القسم الاخير من النص الثالث، من نصوص المجمع االبطريركي الماروني، بعنوان: حضور الكنيسة المارونية في النطاق الانطاكي. وتحديداً افاق المستقبل في العلاقات المسيحية- الاسلامية (الفقرات 60-69).

تلتزم الكنيسة المارونية في لبنان والعالم العربي بالمبادرات التالية:

1. تعزيز الحوار المسيحي الاسلامي القائم على الصدق والصراحة المقرونين بالمحبة والتفهّم والاحترام المتبادل وافتراض حسن النيّة عند الآخر. والحوار موقف روحي قبل كل شيء، بحيث يكون عيشنا المشترك منطلقاً من صميم وقوفنا امام الله، الذي يضعنا على طريق بعضنا البعض. من اجل الحوار ينبغي قبول الله اولاً في حياتنا. عند ذلك يصبح الحوار التزاماً بخدمة الانسان (الفقرة60).

2. المحافظة على تلاقي المسيحية والاسلام في لبنان والعمل برجاء وطيد على مدّ هذا الاختبار الى كامل الشرق الانطاكي المعروف اليوم بالعالم العربي. هذا التلاقي ظهر في الثقافة والحياة اليومية والتعاون المشترك في الشأن الوطني (فقرة 62).

4. توفير ثقافة خاصة بالاسلام للاكليريكيين والكهنة والطلاب المسيحيين، وثقافة للمسلمين خاصة بالمسيحية، بالتعاون مع نخبة من اهل العلم والفضيلة في الديانتين (فقرة62).

       5. الشهادة للمسيح واعلان بشارته الخلاصية لجميع البشر، بالتزامن مع الحوار المتواصل مع الاديان الاخرى. الغاية من هذا الاعلان ايصال حقيقة الانجيل من اجل التوبة الى الله التي تعني التغيير في القلب وتحوّل حركته نحو الله، من دون اقتناص احد الى الحظيرة المسيحية (فقرة 67).

 

       6. صيانة النموذج اللبناني في العيش المشترك، المنظم دستورياً، وتعميم ايجابياته على كامل المنطقة العربية. ثم العمل الدؤوب على صيانة هذا النموذج من التعثّر او الضياع. الكل من اجل الوحدة في التنوع، وتعزيز الحريات العامة، وحفظ مقتضيات العدالة والسلام وحقوق الانسان، بما فيها حقوق المرأة، والتعامل الكريم مع الاقليات على اختلاف انواعها (فقرة 68).

صلاة

ايها الرب يسوع، أعطنا اليقين اننا:

عندما نكون في الضيق، نشعر بأننا أقرب اليك؛

عندما يسخر منا الناس، انت تشرّفنا؛

عندما يحتقرنا الناس، انت ستمجدنا؛

عندما ينسوننا، نشعر بانك تتذكرنا؛

عندما يهملوننا، نشعر بانك تقرّبنا اليك.

وانتِ يا مريم، اياكِ نعظّم، لانك قدّمتِ بين يديك للعالم الكلمة النور والهداية للعقول، واليوم تقدمينه للعالم قربان فداء وخبزاً للحياة الجديدة. للثالوث المجيد الذي اختارك كل مجد وشكر الى الابد آمين.

.

 
انجيل القديس يوحنا 12/12-24
  لدخول السيد المسيح الاخير والملوكي الى اورشليم، قبل صلبه بخمسة ايام وقيامته، ابعاد لاهوتية وخلاصية. فقد تزامن مع عيد الفصح اليهودي، وبدأ معه العهد الجديد، عهد الفداء والخلاص بالمسيح، الذي اكتملت فيه كل اقوال العهد القديم ورموزه وصوره. في بيت لحم، بالميلاد، دخل الاله الكلمة يسوع المسيح تاريخ البشر متجسداً، ليكون نوراً وحياة لكل انسان، ويجعل الذين يقبلونه ابناء لله (انظر يوحنا 1/4 و9 و12)؛ وفي اورشليم، بالموت والقيامة، اصبح مخلص العالم وفادي الانسان. لفظة " شعانين" مأخوذة من هتاف " هوشعنا" الذي اطلقته الجماهير في استقباله، وهي لفظة عبرية تعني " هلم خلصنا"، على ما جاء في المزمور 118/25: " امنح الخلاص يا رب، امنح! امنح النصر يا رب، امنح!".

اولاً، مبادرات نبوية 1.                                           "في الغد لما سمع الجمع الكبير الذي جاء الى العيد"

" الفد" هو اليوم التالي لمجيء يسوع الى بيت عنيا، بعد ان اقام لعازر من الموت، وهو في طريقه الى اورشليم، في مناسبة عيد الفصح اليهودي (يو12/1). ولهذا كان " جمهور كبير" من اليهود الأتين من مختلف المناطق، ومن غير اليهود كاليونانيين (يو12/20). في بيت عنيا وهو على العشاء عند لعازر مع تلاميذه، قامت مريم بمبادرة نبوية: " زرفت قارورة طيب من الناردين الخالص الغالي الثمن، ودهنت قدمي يسوع ثم مسحتهما بشعرها، فعبق البيت بالطيب" ( يو12/3). فعل نبوي له معانيه:

ليسوع الاله الفادي، نعطي اثمن ما عندنا، فهو اعطانا كل ذاته، عبر سرّ القربان وسائر الاسرار والكهنوت. استبقت مريم تطييب جسد يسوع، قبل موته، وهو بعد حي (يو12/7)، للدلالة انه حي الى الابد، وبالتالي سيقوم من الموت؛ هكذا سبق وقال لاختها مريم: " انا القيامة والحياة" (يو11/25)، واظهر ذلك في قيامة لعازر من الموت (يو11/43 و44). يسوع هو الحياة التي تتحدى الموت، فجعل المؤمنين به في حالة قيامة؛ الطيب الذي ملاء البيت هو نفحة المسيح والانجيل الطيبة التي سيعبق اريجها في العالم كله كحضارة محبة. تتجلّى هذه النفحة في كل انسان يعيش في حضارة الحقيقة والمحبة؛ كسر قارورة الطيب يعني ان قيمة الحياة تسمو في افعال الحب لله والانسان والكنيسة والمجتمع. هذه الافعال هي " الطيب " الذي نزرفه قرابين روحية من تضحيات وعطاءات واعمال رحمة، من مواقف بطولية مثل تكريس الذات لخدمة الانسانية في العالم او في الحياة المكرسة او في الكهنوت؛ هذه مغامرة سرّ الحب.

"حملوا سعف النخل وخرجوا لاستقباله هاتفين: هوشعنا"  

       هذه العفوية التي قام بها الاطفال والتلاميذ واهل المدينة والحجاج، ما عدا الفريسيين الذين استشاطوا غضباً وحقداً (يو12/19)، هي امتداد لكسر قارورة الطيب. أجل، " كثيرون من الجمع فرشوا ارديتهم على الطريق واخرون قطعوا اغصان الشجر وبسطوها على الطريق" ( متى21/8)؛ و" التلاميذ طرحوا ارديتهم على الجحش الذي ركبه يسوع" ( مر11/7) . انها مبادرة نبوية اخرى:

       اغصان النخل محفوظة لاستقبال الملوك المنتصرين. يسوع هو الملك السماوي الذي ينتصر بموته وقيامته على الخطيئة والشر والموت. فكانت ملوكيته علة موته مكتوبة على صليبه: " يسوع الناصري ملك اليهود". هذه الحركة في الذكرى السنوية لخلاص اورشليم على ايدي المكابيين ( 1 مكابيين13/50-52)، تدل اليوم على الخلاص والتحرير الحقيقيين لاورشليم، رمز كل مدينة وقرية، ورمز الكنيسة التي اصبحت اداة هذا الخلاص والتحرير؛ هتاف " هوشعنا، مبارك الآتي باسم الرب ملك اسرائيل" ترداد نبوي للمزمور 118/26-26، وتطبيق له. لقد رأوا في شخص يسوع ملكاً جديداً لاسرائيل، يجمع السلطتين الروحية والزمنية. ويحرر المدينة من الرومان، تماماً كما حصل في ايام المكابيين الذين استردوا المدينة وطهروا الهيكل وبنوا مذبحاً جديداً وقدمّوا الذبائح (1مك10/1-9). هنا النبوءة تتحقق في ملوكية يسوع الالهية: انه محرر الانسان من الداخل، ومحرر المدينة الارضية من الظلم والفساد. انه الآتي من عند الآب ليمنح الخلاص للشعوب والامم؛ جاءت مبادرة يسوع بركوبه جحشاً ابن اتان تطبيقاً لنبوءة زكريا النبي ( زكريا9/9)، وتصحيحاً لآمال الجمع الناظر اليه كـأنه ملك زمني، واعلاناً لرسالته. هو ملك، لا كما يريده الشعب بل الله وفقاً لنبوءة زكريا: ليس فاتحاً يدخل المدينة عنوة على صهوة جواد، بل هو " امير السلام" الذي ينتزع كل خوف من القلوب، ويرسي اسس مملكته الجديدة على التواضع والحنان. انه " المسيح" الذي اختاره الله ومسحه ملكاً على شعبه ومؤسساً للعهد الجديد، وقد اكّد لبيلاطس " مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18-36). ملوكيته ملوكية فداء وخلاص وانتصار على الخطيئة والشر، وحياة دائمة تكسر شوكة الموت. ان ابناء مملكته المؤمنين به يعملون على نشر ملكوته في التاريخ البشري بالصراع الروحي لتدمير سلطان الخطيئة فيهم (روم 6/12)، وبتكريس الذات لخدمته في المحبة والعدالة بشخص " اخوته الصغار" ( متى25/40). هذه كلها فهمها التلاميذ، " بعد ان مُجّد" يسوع بموته وقيامته. كلنا مع كل شعب ننتظر قدوم المسيح- الملك ليحررنا مما نعاني من ظلم وجور واستبداد وقهر. المسؤولون السياسيون مدعوون لتحقيق هذا التحرر، من خلال التزامهم السياسي بالمشاركة في وظيفة المسيح الملوكية والكهنوتية والنبوية ( رجاء جديد للبنان،113).

"لانهم سمعوا انه اقام لعازر من القبر خرجوا الى لقائه". الحدث التاريخي اساس الايمان.  تسمى المعجزة " اية" لانها علامة لحقيقة ايمانية لا نراها ولا يدركها العقل في جوهرها، بل يقبلها بالايمان ويحاول فهمها في ضوء العلم. ان ما يحصل للجسد يحصل للنفس ايضاً، فقيامة لعازر من الموت علامة لقيامة الانسان من موت الخطيئة؛ وكما تعود الروح الى الجثة، هكذا تعود الحياة الالهية الى الخاطي التائب. وكما الماء ينظف الجسد وينعشه، هكذا النعمة الالهية تطهر في سري المعمودية والتوبة من الخطايا وتعطي الحياة الجديدة. وكما الخبز يزيل الجوع ويغذي الجسد ويعطيه قوة ومناعة ونشاطاً، هكذا جسد الرب ودمه يفعلان في قلب الانسان ونفسه. هذه الاسرار وغيرها اسسها السيد المسيح، في اطار الفصح، وهو العبور من الموت الى الحياة، ومن الخطيئة الى النعمة، ومن القديم الى الجديد. في ليلة آلامه وموته، المعروف بخميس الاسرار، اسس الكهنوت لخدمة هذه الاسرار، فكانت ولادة الكنيسة.  نحن في الشعانين نخرج مع اطفالنا وشبيبتنا وكبارنا للقاء ملكنا ومخلصنا يسوع المسيح باغصان النخل والزيتون والشموع المزينة: النخل علامة الملوكية، الزيتون علامة السلام، الشموع المزينة، علامة الايمان بالمسيح الحي المزدان باعمالنا الصالحة. ونهتف " هوشعنا مبارك الآتي باسم الرب" ونلتنزم برسالتنا الملوكية. هذا هو معنى التطواف الشعبي، وتبريك الاغصان والشموع، وتوزيعها على المؤمنين وحفظها بركة في بيوتهم، ثم حرق الاغصان والتبخر بدخانها ورش رمادها على الزروع والمواسم لحمايتها من مختلف الآفات. وفي الكنائس تحفظ اغصان الزيتون لتحرق في العام اللاحق ويستعمل رمادها في رتبة تبريك الرماد في بدء الصوم الكبير. وكانوا في الماضي يأتون بشجرة كبيرة من الزيتون، فيباركها الكاهن، وعند بدء التطواف تعرض للبيع بالمزاد، ويقدم الثمن احساناً للكنيسة من اجل سدّ حاجاتها. هذه العادة محفوظة جزئياً بشقها الاول في بعض الرعايا من دون بيعها. وبعض المؤمنين لا يذوقون في الشعنينة الطيبات والحلوى والطعام الفاخر، احتراماً للصوم ولاسبوع الآلام الذي يلي العيد.  تطواف الشعانين وما يحمل من حقائق ايمانية يرتكز على ثلاثة احداث تاريخية: قيامة لعازر، ودخول الرب يسوع الى اورشليم، وقيامته من بين الاموات.
  4.  بعض اليونانيين طلبوا الى فيليبس: نريد ان نرى يسوع  هؤلاء اليونانيين ليسوا يهوداً بل من الراغبين في عبادة الاله الحقيقي والمشاركين في عيد القصح، وبالتالي تمنوا ان يروا يسوع. انهم يمثلون العالم المعروف بالوثني اي غير اليهود، او الامم، بل البشرية التي تبحث عن يسوع. طلبوا وساطة فيليبس، وهذا وساطة اندراوس. انهما يمثلان الكنيسة التي تعرّف الناس الى شخص يسوع المسيح، موضوع رسالتها: " تكونون لي شهوداً الى اقاصي الارض" ( اعمال 1/8). كشف لهم يسوع هويته: انه فادي الانسان الذي يتمم اراة ألاب الخلاصية، فيتمجد الآب بذبيحة الابن التي تصالحه مع الجنس البشري في حدث الجمعة العظيمة، ويتمجد الابن بقيامته من الموت وفيض الحياة الالهية بالروح القدس على البشر أجمعين في حدث احد القيامة. هذه الحقيقة المزدوجة المعروفة بالسّر الفصحي او سرّ الفداء والتبرير، شبهها يسوع بحبة الحنطة التي تموت وتعطي ثمراً كثيراً ( يو12/24). هذا السّر الفصحي استبقه السيد المسيح اسرارياً وجعله حدثاً يتجدد كل يوم بتأسيس سرّ الافخارستيا والكهنوت، يوم خميس الاسرار، ليلة آلامه وموته. وهكذا يستطيع كل انسان " ان يرى يسوع" هذا الكنز الروحي الذي تحتويه الافخارستيا"، ويرى افعال الله: الخلق والفداء والتقديس (القرار المجمعي في خدمة الكهنة،5). هكذا سلّم الكنيسة تذكار موته وقيامته، ليواصل بواسطة خدمتها الكهنوتية ذبيحة الصليب مدى الدهور، الى ان يأتي، ويوزّع، في الوليمة الفصحية الجديدة، غذاء تمتلىء منه النفس نعمة، ويعطى المؤمنون عربون المجد الابدي (الدستور المجمعي: في الليتورجيا، 47).

ثانياً، الخطة الراعوية

 

دخول الرب يسوع الى اورشليم، لتكون مدينة السلام حقاً، انما هو اعلان انجيل السلام القائم على الحقيقة والمحبة والحرية والعدالة. كون الشعانين عيد الشباب، فلا بدّ من ان تتناولهم الخطة الراعوية، في ضوء النص الحادي عشر الخاص بهم، بما فيه من تعليم اخلاقي وقواعد ثقافية ومدنية، من شأنها تنظيم حياتهم لينخرطوا في الشعب الذي اختاره الله ليكون شاهداً بين الامم. اما شريعة الله الاساسية فهي " محبة الله فوق كل شيء" ( تثنية الاشتراع 6/5)، و " محبة القريب كالنفس" ( احبار19/18). وهذا هو الموضوع الذي اختاره قداسة البابا بندكتوس السادس عشر لرسالته العامة الاولى  "الله محبة" الصادرة في 25 كانون الاول 2005.

 

1. يطلب من الجماعات في الرعية، من المجالس واللجان والمنظمات والهيئات، ان يعطوا الشبيبة ما يتوقون اليه، وفقاً لانتظاراتهم المنصوص عليها في النص 11 المذكور: انهم يطلبون من المسؤولين في الكنيسة ان يوفروا لهم فرصة اللقاء الشخصي مع المسيح، وفهماً اعمق لسرّ الكنيسة، وإلا استمروا في حالة التشكيك والتشكي، اذ تظهر لهم الكنيسة بوجهها المؤسساتي، وتغيب عنهم بوجهها اللاهوتي والسري، كجماعة تعكس وجه المسيح، وحاملة سرّ المسيح الخلاصي (النص 11، الشبيبة،21).

2. ويتوق الشباب الى دور وعمل فاعل في البنى الكنسية.هذا يقتضي التزاماً في تثقيف الشبيبة على هذا الدور، واكتشاف مواهبهم، والافساح في المجال امامهم للمشاركة في حياة الكنيسة ورسالتها (المرجع نفسه،22). لقد بيّن الاختبار ان للشبيبة تطلعات ومبادرات لا يتوقعها الكبار. فلا خوف من شبيبة تبحث عن مكانها في حياة الكنيسة ورسالتها، بل الخوف الخوف عندما يتخلى الشباب عن المطالبة بهذا التوق، وعندما يهمشون الكنيسة ويسقطونها من برنامج حياتهم.

3. ويتوق الشباب الى شفافية في المؤسسات الكنسية التربوية والتنموية والاستشفائية. ان عندهم عنها نظرة ترى تغليب الطابع الاداري والتجاري على الطابع الروحي والانساني (النص11، الشبيبة 23-24). ينبغي ان تتناول الخطة الراعوية هذا الموضوع معهم بكثير من الموضوعية، بحيث تقال لهم الحقيقة في ما هو صحيح في نظرتهم، وفي ما هو خطأ؛ في ما هو اوهام وما هو وقائع. لا يجوز الخوف من سماع الانتقاد ولو كان لاذعاً، فالمجال واسع لتصحيح ما يجب تصحيحه، والاعتراف بما هو حق. اما الصمت والكبت والهروب من الحوار فيؤدي الى مزيد من الانتقاد الذي غالباً ما يتجاوز حدود الواقع ، فالانسان عدو ما يجهل.

ولا بدّ للخطة الرعوية من ان تبلغ الى الالتزام الشامل في تقليص الهوة بين القول والفعل، وبين التعليم وشهادة الحياة، وبين المبادىء والواقع. وينبغي للخطة الراعوية ان تصل الى ارادة الاصلاح حباً بالكنيسة المدعوة لتكون نوراً للامم. فلا يجوز بعد اليوم الوقوف عند الشكليات فقط، بل يجب التجدد في العمق، حتى الاصالة والصدقية في شهادة الحياة (النص11، الشبيبة، 25-26).

صلاة يا يسوع ملك الشعوب والدهور، اقبل فعل عبادتنا والمديح الذي نقدمه لك مع الفتيان والشبان، مع الاطفال والاهل، في يوم الشعانين. انت الخبز النازل من السماء الذي يعطي حياة للعالم، انت الكاهن الاعظم والذبيحة المقدمة على الصليب للآب فداءً عن الجنس البشري، وما زلت تقدمها يومياً على يد خدمة اسرارك، لكي توطد في كل قلب ملكوت الحقيقة والحياة، القداسة والنعمة، العدالة والمحبة والسلام.

املك في قلوب الاطفال لكي يحفظوا براءة المعمودية. املك في قلوب الشبيبة لكي ينموا سالمين واطهاراً، مطواعيين لصوت ممثليك في العائلة والمدرسة والكنيسة. املك في عائلاتنا لكي يعيش الاهل والاولاد في الاتفاق وحفظ شريعتك المقدسة. املك على الوطن لكي يعيش ابناؤه في نظام وتناغم. ومعاً نرفع لك المجد ولابيك المبارك روحك الحي القدوس الى الابد، آمين. ( صلاة الطوباوي البابا يوحنا الثالث والعشرين).

 
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

أيها الشباب الأعزاء،

إن إنجيل تبريك أغصان النخل، الذي أصغينا إليه مجتمعين في ساحة القديس بطرس، يبدأ مع هذه العبارة: "كان يسوع يتقدم الجميع صاعدًا نحو أورشليم" (لو 19، 28). فور بدء ليتورجية هذا اليوم، تستبق الكنيسة جوابها على الإنجيل فتقول: "فلنتبع الرب". هذا ما يعبر بشكل واضح عن موضوع أحد الشعانين: اتباع المسيح. أن نكون مسيحيين يعني أن نعتبر أن درب يسوع المسيح هو الدرب القويم لكل البشر – الدرب الذي يقود إلى الهدف، إلى بشرية تحقق ذاتها بالملء وبشكل أصيل. بشكل خاص، أود أن أكرر لكل الشباب والشابات، في هذا اليوم العالمي للشبيبة الخامس والعشرين، أن الهوية المسيحية هي مسيرة، أو بالحري: حج، مسيرة مع يسوع المسيح. مسيرة نحو اتجاه قدمه الرب لنا وما زال يهدينا إليه.

ولكن ما هو هذا الاتجاه؟ كيف نجده؟ إن العبارة الإنجيلية تقدم لنا إشارتين في هذا الصدد. في المقال الأول، يبين لنا الإنجيل أننا أمام صعود. ولهذا الأمر معنى عملي جدًا. فأريحا، حيث بدأ يسوع القسم الأخير من حجه، تقوم على 250 مترًا تحت سطح البحر، بينما أورشليم – هدف مسيرته – تقوم على علو 740 – 780 مترًا فوق سطح البحر: وبالتالي الصعود يقارب الألف متر. ولكن هذه الطريق الخارجية هي فوق كل شيء صورة عن مسيرة الوجود الداخلية، التي تتحقق في اتباع يسوع: إنه صعود نحو قمة الكيان البشري الحقة. يستطيع الإنسان أن يختار طريقًا مريحًا متجنبًا كل الأتعاب. ويستطيع أيضًا أن ينحدر نحو ما هو تافه. يمكنه أن يغرق في حمأة الرياء وعدم الأمانة. يسوع يسير قدامنا، ويذهب نحو العلاء. يقودنا نحو ما هو عظيم، طاهر، يقودنا نحو الهواء النقي الذي يهب في العلاء: نحو الحياة بحسب الحقيقة؛ نحو الشجاعة التي لا تتضعضع بسبب الآراء السائدة؛ نحو الصبر الذي يتحمل الآخر ويسنده. يقودنا إلى الجهوزية نحو المتألمين، نحو المهجورين؛ نحو الأمانة التي تعرف أن تكون مع الآخر حتى عندما تصعب الأحوال. يقود نحو الاستعدادية لتقديم العون؛ نحو الطيبة التي لا تسمح لنكران الجميل أن يهدمها. يقودنا نحو الحب – يقودنا نحو الله.


"كان يسوع يسير أمام الجميع صاعدًا نحو أورشليم". إذا قرأنا هذه الكلمة من الإنجيل في إطار مسيرة يسوع برمتها – أي كدرب يستمر حتى انقضاء الدهر – يمكننا أن نكتشف في الإشارة إلى الهدف "أورشليم" دلالات مختلفة. بالطبع، يجب أن نفهم أولاً مدينة "أورشليم": إنها المدينة التي يقوم فيها الهيكل، الذي تدل فرادته على فرادة الله بالذات. هذا المكان يشير إلى أمرين: من ناحية، أن الله واحد في كل العالم، يفوق بشكل متسامٍ كل أماكننا وأزمنتنا؛ إنه ذلك الإله مالك كل الخليقة. إنه الإله الذي يبحث عنه البشر في أعمق أعماقهم، والذي يعرف عنه الجميع شيئًا بشكل أو بآخر. ولكن هذا الإله كشف عن اسمه. عرف عن نفسه لنا، وأطلق تاريخًا مع البشر: اختار إنسانًا – إبراهيم – كنقطة انطلاق لهذا التاريخ. الإله اللامتناهي هو في وقت عينه الإله القريب. هو الذي لا يمكن أن يحويه أي مبنى، ومع ذلك يريد أن يقيم في وسطنا، أن يكون معنا بكليته.

إذا كان يسوع يصعد إلى أورشليم مع إسرائيل الحاج، فهو يذهب إليها لكي يحتفل مع إسرائيل بالفصح: ذكرى تحرير إسرائيل – هو في الآن نفسه رجاء الحرية النهائية التي سيهبها الله. ويسوع يذهب نحو هذا العيد مدركًا أنه هو الحمل الذي سيتم فيه ما كتب في سفر الخروج الذي يتحدث عن حمل لا عيب فيه، ذكر، يذبح عند الغروب على أعين كل إسرائيل كـ "طقس أبدي" (راجع خر 12، 5 – 6 . 14).

وأخيرًا يعلم يسوع أن حياته ستذهب أبعد من ذلك: لن تنتهي على الصليب. يعرف أن طريقه ستشق الحجاب بين هذا العالم وعالم الله؛ يعرف أنه سيصعد إلى عرش الله مصالحًا الله والإنسان في جسده. يعرف أن جسده القائم سيصير الذبيحة الجديدة والهيكل الجديد؛ وأن أورشليم الجديدة المؤلفة من الملائكة والقديسين ستقوم حوله، أورشليم السماء التي هي حاضرة أيضًا على الأرض، لأنه فتح بموته الحدود القائمة بين السماء والأرض. إن دربه يقود أبعد من قمة جبل الهيكل حتى سمو الله بالذات: هذا هو الصعود العظيم الذي يدعونا جميعًا إلى القيام به. وهو يبقى دومًا معنا على الأرض وهو أيضًا دومًا عند الله. يقودنا في الأرض وما وراء الأرض.

وهكذا، تتجلى في سعة صعود المسيح أبعاد اتباعنا له – الهدف الذي يريدنا أن نبلغه: وصولاً إلى معالي الله، إلى الشركة مع الله، إلى الكينونة مع الله. هذه هي الغاية الحقة، والشركة معه هي السبيل إلى ذلك. الشركة مع المسيح هي أن نكون في مسيرة، في صعود دائم نحو السمو الحق لدعوتنا. المسير مع المسيح هو في آن مسيرة في "نحن" الذين يريدون أن يتبعوه. يدخلنا المسيح في هذه الجماعة، لأن المسيرة نحو الحياة الحقة، نحو الصيرورة أشخاصًا مطابقين لمثال ابن الله يسوع المسيح يفوق قوتنا. هذه المسيرة هي أيضًا أن نقبل أن نُحمل. نجدنا، إذا جاز التعبير، مربوطين بحبل بيسوع المسيح، ومعه نرتفع نحو سمو الله. يجذبنا يسوع ويسندنا في آن. يشكل جزءًا من اتباع المسيح تمسكنا بهذا الحبل واندماجنا به؛ أي أن نقبل أننا لا نستطيع أن ننجح لوحدنا. يؤلف التواضع جزءًا من هذه الخبرة ويتمثل بالدخول في "نحن" الكنيسة؛ التمسك بالحبل، مسؤولية الشركة – عدم تمزيق الحبل بالعناد أو بالغرور. الإيمان المتواضع مع الكنيسة، والاندماج في حبل الصعود نحو الله، هو شرط ضروري للاتباع. وأن نكون جزءًا من الحبل يعني ألا نتصرف كأسياد كلمة الله، وألا نتهافت وراء فكرة خاطئة عن التحرر. تواضع "الكيان مع" هو ضروري لهذا الصعود. ويشكل جزءًا منها أن نسمح للرب أن يأخذنا بيدنا من خلال الأسرار؛ وأن نسمح له أن يطهرنا وأن يجددنا، وأن نقبل أدب التقشف، حتى ولو كنا مرهقين.

وأخيرًا يجب علينا أن نقول أيضًا: الصليب هو جزء من الصعود نحو سمو يسوع المسيح، نحو سمو الله. كما يستحيل في هذا العالم أن نتوصل إلى نتائج كبيرة دون تخلٍ وتدريب قاسٍ، وكما أن فرح الاكتشاف الفكري الكبير وفرح القدرة التطبيقية الكبيرة يرتبط برصانة التدريب وبتعب التعلم، كذلك أيضًا الدرب نحو الحياة ونحو تحقيق بشريتنا يرتبط بالشركة مع ذاك الذي صعد نحو سمو الله من خلال الصليب. في المقام الأخير، الصليب هو التعبير عن معنى الحب: فقط من يخسر نفسه يستطيع أن يجدها.

فلنلخص: اتباع المسيح يتطلب كأول خطوة أن نوقظ توقنا الأصيل لكي نكون بشرًا وكذلك الاستيقاظ لأجل الله. يطلب من ثم أن ندخل في حبل الذين يصعدون، أي في شركة الكنيسة. في "نحن" الكنيسة ندخل في شركة مع "أنت" يسوع المسيح ونصل بالتالي إلى الدرب نحو الله. كما ويترتب علينا أن نصغي إلى كلمة يسوع المسيح وأن نعيشها: بإيمان ورجاء ومحبة. بهذا الشكل نكون في مسيرة نحو أورشليم النهائية، حيث نجد أنفسنا منذ الآن بشكل ما في شركة جميع قديسي الله.

إن حجنا في اتباع المسيح لا يذهب نحو مدينة أرضية، بل نحو مدينة الله الجديدة التي تنمي في وسط هذا العالم. ولكن الحج نحو أورشليم الأرضية، يمكن أن يكون مناسبًا لنا نحن المسيحيين كعنصر ملائم لهذا الحج الأكبر. أنا بالذات أعلق على حجي إلى الأراضي المقدسة السنة الماضية معانٍ ثلاثة.

أولاً، فكرت أنه يمكن أن يحدث لنا في تلك المناسبة ما يقوله القديس يوحنا في مطلع رسالته الأولى: ذاك الذي سمعناه، يمكننا بشكل ما أن نراه وأن نلمسه بأيدينا (راجع 1 يو 1، 1).  الإيمان بيسوع المسيح ليس اختراعًا أسطوريًا. بل يرتكز على وقائع تاريخية حدثت حقًا. وهذا التاريخ يمكننا، إذا جاز التعبير، أن نتأمله وأن نلمسه. من المؤثر أن نجد أنفسنا في الناصرة، في المكان الذي ظهر فيه الملاك لمريم ونقل لها مهمة أن تضحي أم المخلص. من المؤثر أن نكون في بيت لحم، حيث أراد الله أن يصير إنسانًا وطفلاً. من المؤثر أن نصعد نحو الجلجلة إلى المكان الذي مات فيه يسوع لأجلنا على الصليب. وأن نقوم أمام القبر الفارغ؛ أن نصلي حيث رقد جثمان الرب المقدس وحيث حدثت القيامة في اليوم الثالث. إن اتباع سبل يسوع الخارجية يجب أن يساعدنا على السير بفرح أكبر وبضمانة متجددة في السبيل الداخلية التي دلنا عليها: يسوع المسيح بالذات.

عندما نذهب حجاجًا إلى أورشليم، نذهب هناك – وهذا هو المعنى الثاني – كرسل سلام، مصلين لأجل السلام؛ بدعوة قوية إلى الجميع لكي يقوموا في ذلك المكان، الذي يحمل في اسمه كلمة "السلام"، بكل ما هو ممكن لكي يجعلوا منه موضع سلام.

ولذا فهذا الحج هو في الوقت عينه – وهذا المعنى الثالث – تشجيع للمسيحيين لكي يبقوا في وطنهم الأم ولكي يلتزموا بكثافة فيه من أجل السلام.

فلنعد مرة أخرى إلى ليتورجية أحد الشعانين. في الصلاة التي تتم بها مباركة أغصان النخل، نصلي لكي نتمكن، في الشركة مع المسيح، أن نحمل ثمارًا صالحة. انطلاقًا من تفسير خاطئ للقديس بولس، تفشى بشكل متكرر في التاريخ وحتى يومنا الرأي بأن الأعمال الصالحة ليست جزءًا من الهوية المسيحية، وهي بالتالي غير ضرورية لخلاص الإنسان. ولكن إذا كان بولس يقول أن الأعمال لا تستطيع أن تبرر الإنسان، فهذا لا يعارض أهمية الأعمال المستقيمة؛ وإذا كان يتحدث عن نهاية الشريعة، فهو لا يقصد أن يقول أن الوصايا العشر قد تم تجاوزها وأنها باتت بلا أهمية. ليس هناك حاجة للتفكير بسعة المسألة التي كانت تهم الرسول. من المهم أن نبين كيف أن كلمة "شريعة" لا تعني الوصايا العشر، بل أسلوب العيش المعقد الذي كان يجب أن يحمي إسرائيل من تجارب الوثنية. أما الآن فقد حمل يسوع الله إلى الوثنيين. ولذا لا يفرض عليهم هذا النوع من التمييز، بل تُعطى لهم شريعة هي المسيح وحده. وهذا يعني حب الله وحب القريب وما يرتبط بذلك. الوصايا ترتبط بهذا الحب ويتم فهمها بشكل جديد وأعمق إنطلاقًا من المسيح. تلك الوصايا ليست إلا القواعد الأساسية للحب الحقيقي: أولاً وكمبدأ أساسي عبادة الله، أولية الله، التي تعبر عنها الوصايا الثلاث الأولى. فهي تقول لنا: من دون الله ما من شيء يتم بالشكل المناسب. من هو هذا الإله وكيف هو، نستطيع أن نفهمه إنطلاقًا من شخص يسوع المسيح. ثم يلي ذلك قداسة العائلة (الوصية الرابعة)، قداسة الحياة (الوصية الخامسة)، تنظيم الزواج (الوصية السادسة)، تنظيم المجتمع (الوصية السابعة) وأخيرًا حصانة الحقيقة (الوصية الثامنة). كل هذه الأمور هي كبيرة الآنية وحتى بحسب فهم القديس بولس – إذا ما قرأنا رسائله بشكل متكامل. "احملوا ثمر الأعمال الصالحة": في مطلع الأسبوع المقدس فلنصل إلى الرب لكي يهبنا جميعًا ودومًا هذا الثمر.

في ختام إنجيل تبريك أغصان النخيل نسمع الهتاف الذي يستعمله الحجاج في ترحيبهم بيسوع عند أبواب أورشليم. إنها كلمة المزمور 118 (117)، التي كان الكهنة في الأصل يعلنونها على الحجاج من المدينة المقدسة، والتي كانت قد أضحت في ذلك الحين تعبيرًا عن الرجاء المسيحاني: "مبارك الآتي باسم الرب" (مز 118 [117]، 26؛ لو 19، 38). يرى الحجاج في يسوع، المنتظر، الآتي باسم الرب، بل بحسب إنجيل لوقا، يضيفون كلمة أخرى: "مبارك الملك الآتي باسم الرب". ويتباعون الهتاف الذي يذكر برسالة الملائكة في الميلاد، مع تبديل يجعلنا نفكر. تحدثت الملائكة عن مجد الله في أعالي السماوات والسلام على الأرض للناس الذين فيهم مسرة الله. أما الحجاج عند مدخل أورشليم فيقولون: "سلام في السماء ومجد في أعالي السماوات!". يعرفون جيدًا أن في الأرض لا يوجد سلام. ويعرفون أن موضع السلام هو السماء. يعرفون أن جوهر السماوات هو أن تكون موضع سلام. ولذا فهذا الإعلان هو تعبير عن ألم عميق، وهو أيضًا صلاة رجاء: إن الآتي باسم الرب يحمل على الأرض ما في السماء. تضحي ملوكيته ملوكية الله، حضور السماء على الأرض.

تغني الكنيسة قبل تكريس القربان المقدس كلمة المزمور الذي استعمله الجمع في ترحيبهم بالرب لدى دخوله المدينة المقدسة: تحيي يسوع مثل الملك الآتي من لدن الله، باسم الله في وسطنا. اليوم أيضًا هذه التحية الفرحة هي دومًا تضرع ورجاء. فلنصل إلى الرب لكي يحمل السماء إلينا: يحمل مجد الله وسلام البشر. نقصد هذا السلام في روح طلبة "الأبانا": "لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض!". نعرف أن السماء هي سماء، هي موضع مجد وسلام لأن إرادة الله تسود فيها بالكامل. ونعرف أن الأرض ليست سماء ما لم تتحقق فيها إرادة الله. فلنحيي إذًا يسوع الآتي من السماء ولنطلب إليه أن يساعدنا لكي نعرف إرادة الله ونحققها. فلتدخل ملوكية الله في هذا العالم لكي يمتلئ هذا الأخير من تألق السلام. آمين.

 
"بأفواه الأطفال والرضَع، أسست لك عِزَةً"

• أحد الشعانين هو مدخل أسبوع الآلام
الّذي يبدأ بفرح (الشعانين) وينتهي بفرح (القيامة)

• كما بدأ زمن الصوم بفرح (عرس قانا الجليل)وانتهى بفرح (الشعانين).

• لقد أحبَ الرب أورشليم حباً عظيماً وفيها ومن أجلها جاد بنفسه على الصليب.

وانجيل هذا الأحد، يخبرنا عن دخول الرب يسوع أورشليم ملكاً راكباً على جحش ابن أتان. حيث إستقبله الأطفال,

فرأوا فيه البرارة التي في قلوبهم وعرفوا فيه المسيح الذي جاء ليُرجع للإنسان كرامته وعظمته .

هؤلاء الأطفال، كانوا صغاراً في عالمهم ولكنهم كانوا كباراً في عالم الله.


فأولادنا الذين نراهم اليوم حاملين الشموع وأغصان النخل والزيتون يحثوننا، من خلال فرحهم وحماسهم، على أن نحبّ الرب يسوع.


بهذا الإحتفال تبدأ مسيرة آلام الرب يسوع  وموته وقيامته.


نداء الرب اليوم لكل إنسان ومهما كان أن يكمِل الدرب معه حتى الموت والقيامة.


أخي المؤمن:

نحن مدعوون لنُعيد لكل إنسان كرامته وقيمته التي هي من عند الله , فهل فكَرنا يوماً بالإهتمام والإصغاء للآخر وخاصة أطفالنا؟ انهم يكشفون لنا عن وجه الرب و يهللون بوجوده

"وكان فصح اليهود قريبًا،فصعد كثيرون من الكور إلى أورشليم قبل الفصح ليطهرواأنفسهم".


v     أراد اليهود أن يجعلوا يوم العيد قرمزيًا بدم الرب. فيه ذُبح الحمل الذي قدسه كيوم عيدٍ لنا بدمه.


كانت هناك خطة بين اليهود لقتل يسوع، وذاك الذي جاء من السماء ليتألم أراد أن يقترب من موضع آلامه، لأن ساعة آلامه قد جاءت.

القديس أغسطينوس




v     يا له من تطهير عجيب بتصميمٍ لارتكاب جريمة، ونيات تنزع نحو القتل، وأيادي سافكة للدماء!

القديس يوحنا الذهبي الفم




"فكانوا يطلبون يسوع ويقولون فيما بينهم وهم واقفون في الهيكل: ماذا تظنون هل هو لا يأتي إلى العيد؟"


ربما كان أهل افرايم يطلبونه إذ فارق المدينة، لعله ذهب إلى أريحا أو إحدى نواحيها.


ولعل الذين طلبوه هم من قبل رئيس الكهنة، كانوا يبحثون عنه ليخبروا رئيس الكهنة بالموضع الذي يقيم فيه أثناء الاحتفال بالعيد.

v     جعلوا من الفصح فرصة للتخطيط ضده، وحسبوا وقت العيد وقت جريمة، فإنه سيسقط في أيديهم إذ يستدعيه موسم العيد.

القديس يوحنا الذهبي الفم




v   الذين بحثوا عنه والذين لم يبحثوا عنه هم ملامون. لهذا ليتنا نطلب المسيح ليكون هو لنا، فنحفظه، لا لكي نقتله.

القديس أغسطينوس




"وكان أيضًا رؤساء الكهنة والفريسيون قد أصدروا أمرًا،

أنه إن عرف أحد أين هو، فليدل عليه لكي يمسكوه".


v     ليأتوا إلى الكنيسة ويسمعوا منا أين هو، يسمعوا ذلك من الإنجيل... إنه رحل (صعد)، وهو حاضر هنا. لقد عاد لكنه لم يتركنا.


لقد حمل جسده إلى السماء لكنه لم يسحب جلاله من العالم.

القديس أغسطينوس

 



"ثم قبل الفصح بستةأيامأتى يسوع إلى بيت عنيا،

حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات".


بعد إقامة لعازر قام السيد المسيح بزيارة ودية لبيت لعازر قبل الفصح بستة أيام، وهو في بيت عنيا على مقربة من أورشليم.


جاءت زيارته هذه كإعداد للاحتفال بالفصح، ليعلمنا أن نهتم بإعداد أنفسنا للمناسبات الروحية.

هذا ومن جانب آخر إذ جاءت الساعة لصلبه جاء بنفسه وهو يعلم أنهم سينصبون له الشباك، وهو قادر أن يفلت منها ويحطمها،

لكنه جاء إلى العالم خصيصًا لتقديم نفسه ذبيحة حب عنا.

وهي زيارة صداقة لبيتٍ محبوبٍ لديه جدًا، "بيت لعازر ومريم ومرثا"، لأنه يعلم أنه بعد قليل سيفارقهم حسب الجسد.


إنها زيارة وداعية، يترك بصمات حبه وكلمات تعزية وداعية تسندهم في يوم التجربة الذي كاد أن يحل.

أخيرًا فقد جاء إلى بيت عنيا بعد إقامته للعازر لكي يتابع آثار عمله، وكأنه جاء لكي يسقي ما قدس زرعه حتى يأتي بالثمر اللائق.

جاء السيد المسيح في السبت اليهودي حيث يُحتفل بالفصح في اليوم السادس من زيارته. كان الوقت قد أزف لتختار كل أسرة الحمل الذي يُقدم فصحًا في العيد، وكان يلزم حفظه خمسة أيام عن الحظيرة.


وها هو حمل الله الفصح الحقيقي، يأتي بنفسه ليعزل نفسه، مسلمًا نفسه في أيدي محبيه لمسحه بالطيب والدموع في اليوم التالي من وصوله.


بإرادته كرس حياته مبذولة فصحًا عن العالم كله.وقد جاء موكب دخوله إلى أورشليم في السبت المسيحي (أحد الشعانين) في اليوم التالي من زيارته لبيت عنيا.




"فصنعوا له هناك عشاء،وكانت مرثا تخدم،

وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه".


قدمت الأسرة ذبيحة شكر عملية لذاك الذي أقام رب البيت، فصنعوا عشاء، وقام الثلاثة بأدوار مختلفة. لعازر بين المتكئين يشهد للمسيح الذي أقامه من الأموات، ومرثا تخدمه، ومريم تعلن حبها له بسكب الطيب على قدميه.


يرى البعض أن هذه الوليمة هي بعينها التي تمت في بيت سمعان الأبرص (مت ٢٤: ٦).


لكن يرى البعض أن الوليمتين مختلفتان، فالوليمة هنا تمت في بيت لعازر وأختيه بدليل قيام مرثا بالخدمة. الوليمة المذكورة في إنجيل متى كانت في اليوم الثالث من أسبوع الفصح،


أما هذه فتمت قبل الفصح بستة أيام. وأن الوليمتين تمتا في بيت عنيا، مريم سكبت هنا منًا أي حوالي الرطل من الطيب، وفي الوليمة الثانية سكبت بقيته كله (مر ١٤: ٣).

لقد خدمت مرثا المائدة تعبيرًا عن تقديرها العظيم للسيد. حسبت ذلك كرامة لها أن تخدم السيد، أيا كانت الخدمة.

لقد سبق أن قارن بين خدمتها وجلسة أختها مريم عند قدميه، قائلاً لها: أنت تهتمين بأمور كثيرة، أما مريم فاختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع عنها، مع هذا لم تترك الخدمة.




"وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه" .

وجوده هو برهان على حقيقة قيامته التي وهبه إياها السيد المسيح. لقد جلس يأكل مؤكدًا أن الرب أقامه فعلاً.

v    إنه يتلهف أن يعيد زيارته لذاك الذي أُقيم من الأموات، ويفرح بعطية الحياة المتجددة، إنه يأتي إلى الوليمة التي تعدها كنيسته له، بمناسبة ذاك الذي كان ميتًا فوجد بين الجالسين مع المسيح.

القديس أمبروسيوس

v    واضح أن الوليمة كانت في بيت مرثا، إذ أن الذين أحبوا المسيح وهو أحبهم قبلوه عندهم.

قوله: "وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه"، كان في هذا دلالة على صدق قيامته، إذ يعيش ويأكل بعد أيام كثيرة.

القديس يوحنا الذهبي الفم




v    كلما أقام شخصًا من الأموات أمر السيد بتقديم طعامٍ له ليأكل، لئلا يُظن أن القيامة خيال. ولهذا السبب وُصف لعازر بعد قيامته أنه كان في وليمة مع ربنا.

القديس جيروم




"فأخذت مريم منًا من طيب ناردين خالص كثير الثمن،

ودهنت قدمي يسوع،ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب".


المن:وزن يوناني وروماني يساوي نحو مائة درهم.

الناردين: نوع من الأطياب الثمينة التي تنافس بها القدماء، وذُكر في سفر نشيد الأناشيد (1: 12؛ 13:4، 14).أما كونه خالصًا فيعني أنه نقي غير مضاف إليه شموع أو راتنجات ليصير كالمرهم.

عبَّرت مريم عن حبها بسكب رطلٍ من طيب ناردين خالص كثير الثمن، حيث دهنت قدميه ومسحتهما بشعر رأسها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب.


قدمت أغلى ما لديها لتكريم السيد. إنها لم تدهن رأسه كالعادة المتبعة، بل في حبٍ عميقٍ دهنت قدميه. حتمًا إن سكب رطل طيب نقي تدفق على ثياب السيد المسيح، وامتلأ البيت كله برائحته الطيبة.


وكما تقول النفس البشرية عن عريسها الملك:


"مادام الملك في مجلسه، أفاح نارديني رائحته" (نش ١: ١٢).

لقد سكبت مريم طيب حبها الخالص ولازالت رائحته الطيبة تملأ بيت الرب عبر الأجيال، يشتمه الآب إذ يحمل رائحة المسيح الذكية (٢ كو ٢: ١٥)، ونشتمه نحن المؤمنون بعد كل القرون، فنشتهي أن نقدم حياتنا كلها رائحة حب خالص نحو ذاك الذي بادرنا بحبه.

v    مرثا خدمت، من هذا يتضح أن الوليمة كانت في بيتها... مريم لم تخدم، إذ كانت تلميذة. هنا أيضًا سلكت بطريقة أكثر روحانية.

فإنها لم تخدم كما لو كانت قد دُعيت لتفعل هذا، ولا قدمت خدماتها مشاعة لكل الضيوف بوجهٍ عامٍ، وإنما كرمت ذاك وحده. اقتربت إليه ليس كإنسانٍ بل بكونه إلهها.


لهذا سكبت عليه دهن الطيب ومسحته بضفائر رأسها، لم تمارس هذه أفعال معتقدة فيه مثلما ظن الكثيرون[1252].

القديس يوحنا الذهبي الفم




v    الطيب هو البرّ، كان وزنه منًا (رطلاً)، لكنه طيب من ناردين خالص كثير الثمن... أصل الكلمة "خالص" في اليونانية ندعوها "الإيمان". أنتم تطلبون أن تصنعوا البرّ، فإن البار بالإيمان يحيا (رو ١: ١٧).

امسحوا قدمي يسوع، أي اقتفوا إثر خطوات الرب بحياة صالحة.

امسحوا قدميه بشعوركم، بما هو فائض لديكم، قدموه للفقراء بهذا تمسحون قدمي الرب.


لأن الشعر يبدو كأنه أمر زائد في الجسد. لتقدموا شيئًا من الفيض الذي لديكم. إنه فائض عندكم، لكنه ضروري بالنسبة لقدمي الرب.

ربما قدما الرب على الأرض في احتياج. فإنه عن من يقول إلاَّ عن أعضائه:


"ما فعلتموه بأحد اخوتي الأصاغر فبي فعلتم" (مت ٢٥: ٤٠)؟ إنكم تقدمون مما هو فائض عنكم، لكنكم تقدمون ما هو مُستحب لقدميه.

v     "فامتلأ البيت من رائحة الطيب"

العالم يمتلئ بسمعته الشخصية الصالحة، لأن السيرة الصالحة كرائحة طيب مبهجة. الذين يسلكون في الشر ويحملون اسم مسيحيين يسيئون إلى المسيح.


عن هؤلاء قيل أنه بسببهم يُجدف على اسم الرب (رو ٢: ٢٤). إن كان بمثل هؤلاء يجدف على اسم الله، فإنه خلال الصالحين يُكرم اسم الله.

استمعوا إلى الرسول وهو يقول: "نحن رائحة المسيح الذكية في كل موضع". كما جاء في نشيد الأناشيد: "اسمك دهن مهراق" (نش ١: ٣).

القديس أغسطينوس




v    هذا العطر لا يختلف عن عطر العروس الذي أفاح رائحة العريس. "مادام الملك في مجلسه أفاح نارديني رائحته" (نش 1: 12).

جاء في الإنجيل إن سكب الطيب على رأس ربنا قد أفاح رائحة ذكية في أرجاء المنزل حيث أقيمت المأدبة.


يبدو أن المرأة ساكبة الطيب قد تنبأت بسرّ موت المسيح. وقد شهد الرب لعملها هذا قائلاً، "إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني" (مت 12:26).

المنزل الذي امتلأ بهذه الرائحة يمثل الكون بأكمله، العالم كله:


"حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم"، تنتشر رائحة عملها هذا مع الكرازة بالإنجيل، ويصير الإنجيل "تذكارًا لها"، إذ أن الناردين في نص نشيد الأناشيد يفيح رائحة العريس لعروسه، وفى الإنجيل أيضًا تصير رائحة المسيح الذكية التي ملأت كل المنزل كطيبٍ يطَّيب كل جسد الكنيسة في كل المسكونة والعالم أجمع.

القديس غريغوريوس النيسي




    [في حديثه الموجه إلى الإمبراطور ثيؤدوسيوس كتب:]

لذلك أيها الإمبراطور الآن أوجه كلماتي ليس فقط عنك بل إليك، إذ تلاحظ كيف بكل حزم يريد اللَّه أن يحاكم، فإنه بقدر ما قد صرت ممجدًا


بالأكثر يليق بك أن تخضع لخالقك بالكامل، إذ هو مكتوب: "عندما يحضرك الرب إلهك إلى أرض غريبة، وتأكل ثمر الآخرين لا تقل: بقوتي وبري أعطاني هذه، إنما الرب إلهك هو الذي أعطاك إياها".


فالمسيح بمراحمه وهبك هذه، لذلك فحبًا في جسده أي الكنيسة أعط ماءً لقدميه، قبِّل قدميه، فليس فقط تعفو عمن سقط في خطية بل أيضًا بواسطة حبك للسلام تصلحهم وتهبهم راحة.

اسكب دهنًا على قدميه، لكي ما يمتلئ كل البيت الذي يجلس فيه المسيح برائحة طيبك، ويُسر كل الجالسين معه برائحتك الذكية.


بمعنى كرِّم المذلولين، حتى تفرح الملائكة بالعفو عنهم، إذ يفرحون بخاطئ واحدٍ يتوب (لو10:15)، ويُسر الرسل، ويمتلئ الأنبياء بالبهجة.

القديس أمبروسيوس

"فقال واحد من تلاميذه،

وهو يهوذا سمعان الأسخريوطي المزمع أن يسلمه".


v    إذ فاحت رائحة المسيح الذكية صارت للبعض رائحة حياة لحياة، ولآخرين رائحة موتٍ لموتٍ (٢ كو ٢: ١٤-١٦). هذه الرائحة الذكية صارت رائحة موت ليهوذا.

القديس أغسطينوس




"لماذا لم يُبع هذا الطيب بثلاث مائة دينار،ويُعط للفقراء؟"

وسط هذا الجو السماوي، رائحة المسيح الذكية التي تسحب القلوب نحو السماء، وُجدت رائحة نتانة الإصرار على الطمع والسرقة مع روح الخيانة تنبعث من قلب تلميذ يبدو من خاصة المسيح. !!


لا يستطيع القلب أن يحتمل رائحة المسيح الذكية واهبة الحياة، فتصير بالنسبة له رائحة موتٍ لموتٍ (٢ كو ٢: ١٦).

لم يسترح يهوذا الخائن لهذا التصرف، وحسبه تبديدًا لمبلغٍ كبيرٍ كهذا، إذ حسب ثمن الطيب بحوالي ٣٠٠ دينارًا، كان يمكن تقديمه للفقراء، ولم يستطع أن يتلمس ثمن الحب الذي لا يُقدر بثمن.


كان يهوذا رسولاً وكارزًا بالإنجيل، لكنه لا يحب روح التكريس والحب.


تحولت الكرازة عنده إلى مهنة وعمل رسمي، لا تحمل رائحة طيب الحب التي تملأ بيت الرب "الكنيسة".

لقد وجد الحجة التي يتذرع بها ليهاجم عمل المحبة، فبدا كمن هو مترفق بالفقراء. فإنه حتى الشيطان يحول نفسه كما إلى ملاك نور.


استخدم الحكمة البشرية، فحسب خدمة الفقراء ضد إظهار الحب للسيد المسيح، خافيًا في أعماقه طمعه وحبه للمال، وأنه لص يسرق ما بالصندوق.

لم يكن يحتمل هذا الخائن عمل الحب، حيث تسكب مريم طيبًا يمكن أن يُباع بثلاثمائة دينارًا، بينما قام هو ببيع السيد نفسه بثلاثين من الفضة.


هي وضعت الثلاثمائة دينارًا تحت قدمي سيدها وحسبت ذلك كلا شيء، أما هو فوضع سيده تحت ثلاثين من الفضة وحسب سيده كلا شيء أمام هذا المبلغ التافه.

"قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء،بل لأنه كان سارقًا،

وكان الصندوق عنده،وكان يحمل ما يُلقى فيه".


يرى البعض أن كلمة "اسخريوطي" معناها "حامل الصندوق".

لم يحمل يهوذا حنوًا على الفقراء، ولا اهتمامًا بهم، وإنما كانت خدمة الفقراء فرصة لسرقة المال. يتساءل البعض:


* لماذا عهد إليه السيد المسيح الصندوق، ولم يعهد به إلى بطرس أو يوحنا أو غيرهما ممن هم أهل الثقة؟


ربما لأن يهوذا اشتهى هذا العمل، فنال سؤل قلبه. ولعل السيد المسيح سمح له بذلك حتى لا يكون له عذر في بيع سيده، لأنه لم يكن في عوزٍ.

تبقى الكنيسة عبر كل العصور تضم قلة مقدسة تلقي بكل ما لديها تحت قدمي السماوي، فتفوح رائحة حبهم، وتملأ بيت الرب برائحة المسيح الساكن في قلوبهم.


وتضم أيضًا من يختفون وراء الشكليات وصناديق الفقراء ليسلبوا حق المسيح ويبيعونه بثمن عبدٍ، ولا يقوم بفضحهم، لعلهم يرجعوا إلى أعماقهم، ويكتشفوا شرهم وتتجدد حياتهم بالتوبة وبالرجوع إلى مخلصهم.

v    أطال الرب أناته على يهوذا الشيطان واللص والخائن له.


لقد سمح له أن يُقبل بين الرسل الأبرياء ما يعرفه الأمناء كمكافأة لهم (يقصد جسد الرب ودمه).

v   انظروا الآن وتعلموا أن يهوذا هذا لم يصر فاسدًا فقط في الوقت الذي فيه قبل رشوة اليهود وخان ربه...


لم يهلك في ذلك الحين وحده، بل كان بالفعل سارقًا وشريرًا حين كان يتبع الرب، إذ تبعه بجسده لا بقلبه. لقد أكمل عدد ١٢ للرسل، لكن لم يكن له نصيب في البركة الرسولية... عند رحيله خلفه آخر فكمل العدد الرسولي.

v    لماذا كان للرب صندوق، هذا الذي تخدمه الملائكة، إلاَّ ليعلن بصراحة أن كنيسته تلتزم فيما بعد أن يكون بها مستودع للمال؟

لماذا أعطى اللص هذه المسئولية إلاَّ ليعلم كنيسته طول الأناة في احتمال اللصوص؟

لكن ذاك الذي اعتاد أن يختلس مالاً من الصندوق لم يتردد في أن يسلم ربه من أجل المال.

القديس أغسطينوس




v    محبة المال أمر مروع، فإنها تفسد الأعين والآذان، وتجعل البشر أردأ من الوحوش المفترسة، فلا تعطي للإنسان أن يضع في اعتباره ضميره ولا الصداقة ولا الزمالة ولا خلاص نفسه،

وإنما تسحبه من هذا كله، كسيدة عنيفة تستعبد من تأسرهم...

لقد جعلت جيحزي أبرص بدلاً من كونه تلميذًا ونبيًا، وأهلكت حنانيا (وسفيرة) معه، وجعلت يهوذا خائنًا.

محبة المال أفسدت قادة اليهود... جبلت ربوات الحروب، وملأت الطرق بالدماء، والمدن بالنحيب والمراثي.

القديس يوحنا الذهبي الفم

"فقال يسوع:اتركوها، إنها ليوم تكفيني قد حفظته".


بينما دانها يهوذا حاسبًا أنها تصرفت بغير حكمةٍ، وبددت المال فيما لا ينفع، وكان يجب تقديمه للفقراء، إذا بالسيد المسيح يعلن أنها قامت بعملٍ روحي نبوي فائق،


فقد تنبأت عن تكفينه. خلال حبها تلامست مع آلام السيد المسيح وموته ودفنه، وبتصرفها أعلنت عن رائحة الخلاص الذكية.

لم نسمع قط أن أنسانًا يُكفن، ويُدهن جسده للتكفين، وهو بعد حيّ، أما السيد المسيح فحسب هذا الطيب تكفينًا لجسده الذي لن يرى فسادًا.


لقد سلم جسده المبذول طعامًا روحيًا عند تأسيسه سرّ الأفخارستيا في خميس العهد، والآن إذ بذل جسده بإرادته يعلن عن تكفينه.


هكذا يؤكد السيد إرادته المقدسة الحرة في قبول الموت والدفن من أجل العالم ليهبهم قوة قيامته وبهجتها.

v    قول السيد المسيح عن مريم "اتركوها، إنها ليوم تكفيني قد حفظته" ذكر الدافع لما فعلته المرأة.

القديس يوحنا الذهبي الفم




v    انظروا يا اخوة، فإنه لم يقل له: "إنك تقول هذا من أجل لصوصيتك".


لقد عرفه أنه لص. ومع هذا لم يخَوِّنه بل بالأحرى احتمله، مقدمًا لنا مثالاً للصبر في احتمال الأشرار في الكنيسة.

القديس أغسطينوس




"لأن الفقراء معكم في كل حين،وأما أنا فلست معكم في كل حين".


حمل هذا القول إشارة خفية للعملين، فمن جهة عمل يهوذا المختفي وراء تظاهره بحب الفقراء بينما يقوم بتسليم سيده للموت في خيانة بشعة، والثاني عمل مريم الرائع حيث تلقفت هذا الجسد المُسلم للموت لتكرمه بأغلى ما لديها، الطيب الكثير الثمن.


إنه يوبخ يهوذا سرًا، لأنه يدعي حب الفقراء، ويكرم مريم، لأنها وجدت فرصة لا تتكرر "لست معكم في كل حين".

لقد كفنت مريم جسد مسيحها وهو حيّ، فنالت مديحًا من فم السيد نفسه. كفن نيقوديموس ويوسف الرامي جسد السيد بعد موته، فنالوا كرامة لكنها لا تقارن بالكرامة التي نالتها مريم.


هي قدمت رطلاً من الطيب وهما قدما مائة رطل، لكن التقدمة الأولى للجسد الحي فاقت كثيرًا التقدمة الثانية.

مريم لا تزال تدعونا أن نطيب جسد المسيح الحي في أعضائه الفقراء والمساكين والمتألمين والمطرودين والذين ليس لهم من يسأل عنهم،


فقد وعدنا الله: "لأنه لا تفقد الفقراء من الأرض، لذلك أنا أوصيك قائلاً: افتح يديك لأخيك المسكين والفقير في أرضك" (تث ١٥: ١١). ويدعونا نيقوديموس ويوسف الرامي أن نطيب جسده في الأعضاء التي رحلت، أي الشهداء والقديسين.

لا يمكن أن نمارس عملاً على حساب الآخر، إذ حبنا للفقراء يتناغم مع حبنا للقديسين الذين لا يزالوا أحياء يمارسون الحب لله كما لكل البشرية بالصلاة والشكر الدائم.

v    أراد المسيح أن يحد من شره المتزايد، مستخدمًا تواضعًا عظيمًا نحوه. لذلك لم يذّكره بالسرقة مع أنه يعرفها، وهكذا وضع عبارة تحجز رغبته الشريرة، وتنزع عنه كل دفاع عن نفسه.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v    بخصوص حضوره الإلهي معنا، فالمسيح حاضر على الدوام، وبخصوص حضوره في الجسد، بحق قال لتلاميذه:


"لست معكم في كل حين" .

القديس أغسطينوس

"فعلم جمع كثير من اليهودأنه هناك،فجاءوا ليس لأجل يسوع فقط،

بل لينظروا أيضًا لعازر الذي أقامه من الأموات".


سمع كثير من اليهود بقصة إقامة لعازر من الأموات، إذ كانت موضوع حديث المدينة، فتقاطروا لا ليروا يسوع وحده بل وذاك الذي أقامه من الأموات.


لم يأتوا ليسمعوه، بل لينظروا ويتأكدوا من قصة الإقامة من الأموات. لم يأتوا ليلقوا أيديهم عليه، ولا ليخبروا القيادات ضده، بل ليكرموه.


جاء البعض لكي يثبتوا إيمانهم بالمسيح بأن يسمعوا معجزة الإقامة من فم لعازر نفسه، وآخرون بحب الاستطلاع جاءوا يتأكدون كيف يقوم إنسان من الموت،


وماذا رأى في موته، وما هي أخبار العالم الآخر. صار لعازر في أيام العيد هذه عرضًا عجيبًا يريد كثيرون أن يروه ويسمعوه.

"فتشاور رؤساء الكهنة ليقتلوا لعازر أيضًا".


كتب القديس جيروم رسالة إلى مارسيللاMarcella يمتدح فيه بلاسيللاBlaesilla ابنة باولاPaula فقد انتقل زوجها بعد سبعة شهور من زواجها، وأصيبت بمرضٍ خطيرٍ دفعها إلى الإيمان وتكريس طاقاتها لحساب المسيح، ف

عانت الكثير من الهجوم على تصرفاتها. حسبها القديس جيروم لعازر الجديد حيث تمتعت بما هو أشبه بالقيامة من الأموات.

v    كانت حياتها السابقة تتسم بنوع من الإهمال، وقد تقيّدت بأربطة الغنى، ورقدت كمن هي ميِّتة في قبر العالم.


لكن يسوع تحرك في ضيق وانزعج بالروح وصرخ: "بلاسيلا، هلم خارجًا". لقد قامت عند دعوته، وخرجت وجلست تأكل مع الرب (يو 2:12). في غضب هدّدها اليهود، يطلبون قتلها، لأن المسيح أقامها (يو 10:12). إنها تكتفي بأن يعطي الرسل المجد للَّه.


بلاسيلا تعرف أنها مدينة بحياتها لذاك الذي رد لها الحياة. إنها تعرف أنها تقدر الآن أن تحتضن قدمي ذاك الذي منذ قليل كانت ترهبه كديّان لها... أيّة تعزية لها في كلماتهم (للمقاومين لها) التي هي أخف من الدخان؟

القديس جيروم

    أما كان يستطيع المسيح الرب القادر أن يقيم من الأموات أن يقيم من يُقتل (أي يقيم نفسه حين طلب اليهود قتله)؟

حينما كنتم تعدون موتًا عنيفًا للعازر، هل كنتم تجردون الرب من سلطانه؟

إن كنتم تظنون أن الميت غير المقتول فانظروا فقط إلى هذا، أن الرب فعل الأمرين، فأقام لعازر حين كان ميتًا، وأقام نفسه حين قُتل.

القديس أغسطينوس

"لأن كثيرين من اليهود كانوا بسببه يذهبون،ويؤمنون بيسوع".

إذ التهبت قلوب الكثيرين بالشوق نحو رؤية يسوع والإيمان به تزايد بالأكثر حسد رؤساء الكهنة، وتشاوروا معًا، فلم يجدوا سبيلاً آخر للخلاص من هذا الموقف سوى قتله.


لقد بذلوا كل الجهد لتشويه صورته أمام الجموع حتى يتخلى الكل عنه، لكن ذهبت هذه كلها هباءً، خاصة بإقامة لعازر من الموت.


لم يكن يوجد دليل على كونه المسيا مثل إقامته الأموات، واهبًا للحياة، لأنه هو الحياة.

 
 القدّيس رومانوس المرنّم

أيّها المسيح الذي هو الله،

لقد حُملتَ على عرشك في السماء وعلى جحش بن أتان على الأرض،

وكنت تستقبل تسابيح الملائكة وهتافات الأطفال الذين كانوا يمجّدونَك بأعلى أصواتهم صارخين:




"مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"

هوذا ملكنا الوديع والهادئ على ظهر جحش بن أتان ي

سارع إلى تحمّل آلامه وإلى مغفرة الخطايا.


الكلمة، على ظهر الجحش، يريد أن يخلّص كلّ البشر.


وكان بإمكاننا أن نتأمّل، على ظهر الجحش،

- ذاك الذي تحملُه أكتاف الكاروبيم، والذي رفعَ إيليّا إلى السماء في مركبة من نار




- ذاك الذي ارتضى أن "يفتقر لأجلنا وهو الغنيّ" (2قور8: 9)




- ذاك الذي اختار الضعف ليعطي القوة لكلّ الذين يصرخون له

"مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"



لقد أظهرت قوتّك باختيارك الفقر... كانت ثياب تلاميذك تشير إلى الفقر،

لكنّ أناشيد الأطفال كانت على مستوى جبروتك.


وكذلك الأمر بالنسبة إلى تهافت الناس الذين كانوا يصرخون:


"هوشعنا - أي خلِّصنا - أيّها الساكن في أعلى السماوات. أيّها الساكن في الأعالي، خلِّصْ كلّ المذلولين. إرأف بنا،بحقّ النخيل الذي نحمله،

وليت الأغصان التي نلوّح بها تحرّك قلبك، أنت الآتي لتذكّر بآدم"



فأجاب الخالق:
"يا مَن صنعَتْه يديّ، لقد تجسّدتُ لأخلّصَك. لم تكن الشريعة لتخلّصَك لأنّها لم تخلقك،

ولا الأنبياء الذين كانوا خليقتي مثلك.


أنا وحدي أستطيع أن أرفع وزر خطيئتك.


لقد باعني أحد تلاميذي من أجلك، وها أنا أحرّرُك؛ صُلبتُ بسببك


وها أنت تنجو من الموت. مٌتُّ وها أنا أعلّمك أن تصرخ:


"مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"

هل أحببتُ الملائكة بهذا القدر؟ لا، أحببتُك أنت أيّها المسكين.
أخفيتُ مجدي وأنا الغني، ارتضيتُ أن أفتقر لأجلك

لأنّني أحبّك كثيرًا.

من أجلك، عانيتُ الجوع والعطش والتعب.


اجتزتُ الجبال والوديان بحثًا عنك، أيّها الخروف الضال؛





اخترتُ اسم الحمل كي أعيدَك إلى الحظيرة،


وجذبتُك إليّ بصوتي كراعي.
كما أريدُ أن أبذل حياتي من أجلك كي أنقذَك من براثن الذئب.

أنا مستعدّ لاحتمال كلّ شيء كي تصرخَ لي:


"مباركٌ الآتي ليذكّر بآدم"
 
الدخول في شركة الآم ربنا وقيامته. وهذا هو نهاية الرحلة، رحلة الصوم توصلنا إلى رحلة جديدة أكثر تركيزاً في مشاركة الرب يسوع في آلامه وقوة قيامته.

هذه الرحلة تبدأ من أورشليم إلى الجلجثة.

لقد كان القصد الإلهي من تجسد ربنا أن يغير طبيعتي ويشاركني طبيعته الإلهية فأعمل أعماله:


تواضعه - محبته - تسامحه - غفرانه - بذله... حتى أصير مثل المسيح تماماً، وهذا هو موضوع جهاد الكنيسة طول الصوم.


الكنيسة تكلمنا دائماً عن المحبة، وعدم الإدانة، والتسامح، والصوم والصلاة، وقبول التجربة بقلب مفتوح لله، وتكلمنا عن المياه الحية التي تشبع النفس...


حتى نصل في النهاية إلى رؤية الله ثم مشاركته التي هي إتمام قصد الله فينا.

وأخيراً سيأتي العيد... فمن صام صوماً مقبولاً ودخل في آلام ربنا سيعيَّد عيداً روحياً ويتمتع ببهجة قيامة الرب. بينما تك ون خسارة عظيمة للنفس التي ضيعت الصوم في الكسل والفتور.


الذين صاموا صوماً مقبولاً ستتغير حياتهم إلى شكل المسيح القائم من بين الأموات، ويقولون بفرح نحن قد قمنا مع المسيح... قمنا من ضعفنا... قمنا مع المسيح بقوة عظيمة آمين.

 

ملكوت ابن محبته:

يبدأ هذا الأسبوع بدخول المسيح ليملك على أورشليم راكباً أتاناً وجحش ابن أتان- و ينتهي بأن يملك عل خشبة في الجلجثة ويجذب إليه الجميع- جميع الأبناء- ليملكوا معه في ملكوت أبيه...

•  "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وإبن الإنسان يسلّم إلى رؤساء الكهنة" (مر 10: 33).

•  "ينبغي أن إ بن الإنسان يتألم كثيراً" (مر 8: 31).

•  "وأ ن ا إن ارتفعت أجذب إلىَّ الجميع" (يو 12: 32).

•  "هذه هي ساعتكم وسلطان الظلمة" (لو 22: 53).

•  "قد أكمل" (يو 19: 30)

•  "في يديك أستودع روحي" (لو 23: 46).

أسبوع الطيب :

إن أحداث الأسبوع الأخير مشحونة بمشاعر حب الله لنا إلى المنتهى، ومشحونة بعواطف آلام نفسه الحزينة حتى الموت...


هذه اللانهائيات في عاطف الرب نحو الإنسان عجز الكلام عن التعبير عنها. لذلك بدأ الوحي الإلهي بإبدال لغة الكلام بلغة الطيب ...

الطيب يفوح وينتشر بسرعة ويحمل معه نشوة رقيقة هي أدق ما يعبر عن حب الله اللامتناهي من نحونا في وسط شدة آلامه.

فسكب الطيب عمل مقابل للبذل، والبذل هو سكب للنفس، وعندما تنسكب النفس يفح منها طيب عطر. هكذا صنع الرب


في هذا الأسبوع ففاحت رائحة ذبيحته في المسكونة كلها... إذاً من فوق الصليب بذل ابنه الحبيب... وهذا صنع الشهداء ففاحت منهم رائحة يسوع الزكية... واليوم علينا أن نصنع شيئاً... نسكب ونبذل... !!

لقد سكب الرب ذاته... وكسر جسده وأعطاه لتلاميذه ولنا!!!

وسكب ذاته... فوضع نفسه عند أرجل تلاميذه ليغسلها!!!

وسكب حبه... حتى مع الخائن أعطاه اللقمة!!!

وعلى الصليب سكب ذاته من أجل الذين عروه، وطعنوه، وبصقوا في وجهه، وجلدوه... من أجلهم مات ومن أجلهم طلب الغفران.

عشية أحد الشعانين :

في يوم السبت- كقول الإنجيل: "قبل الفصح بستة أيام" (يو 12: 1- 3)... سكبت مريم الطيب على قدمي الرب. ويتكرر هذا الحادث في بيت عنيا "وكان الفصح وأيام الفطير بعد يومين... وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص... " (مر 14: 1- 5).

من هنا نرى أن الترتيب الإلهي أن يتكرر سكب الطيب في بداية رحلة الجلجثة... وفي منتصف الطريق...

وأن يكرز بهذا العمل مع الكرازة بالإنجيل. لكي ما تعطر هذه الخدمة المسكونة كلها، وتعلمنا في عبادتنا الروحية دروساً خالدة...

القصد الإلهي من الرحلة

بكل تأكيد إن قصد الله من تجسده وحياته على الأرض ودخوله أورشليم وصلبه هو أن يحررنا من عدونا إبليس ، ثم يملك على قلبنا


فندخل في ملكوته ونتمتع بالحياة معه- نصير أولاده- أولاد الملك. هذا هو موضوع رحلتنا من دخوله أورشليم ملكاً وديعاً على جحش- إلى ارتفاعه على الصليب ليملك على خشبة" (مز 95: 10- الأجبية)، ويجذب إليه الجميع.

أحـد الشعانين

عندما دخل ربنا... استقبلوه كملك بالسعف و فرشوا الثياب، وهتفوا أوصنا لملك إسرائيل ... فالرب دخل المدينة ليملك... وهذا المُلك ليس أمراً سهلاً لان:

1- العدو شرس.

2- العدو إمكانياته مادية ومُلك المسيح روحي.

3- المعركة على أرض العدو "رئيس هذا العالم".

4- العدو ملكه منظور ومُلك المسيح غير منظور... لكنه حقيقي.


"لأن الأمور التي ترى وقتية أما التي لا ترى فأبدية ". وعندما نتأمل في حياة الرب كلها على الأرض نراه ملكاً في كل مراحل تجسده
 
        "هوشعنا مبارَك الآتي باسم الربّ ملك إسرائيل".

هذا ما هتف به أهل أوشليم لمّا دخل الربّ يسوع إلى مدينته على جحش ابن أتان. هذا كان نداءً تقليدياً في اليوم السابع من عيد المظال يرافقه هزّ الأغصان. وهو مستمدد من المزمور 117 الآية 25.


والأصل العبري يترجمونه هكذا: "آه يا ربّ ليتك تخلّص". النداء موجَّه، أساساً، للملك.

وبما أنّ اسم مسيح الربّ هو يسوع أو يشوع، لهذا كانت الجموع تردِّد، من حيث لا تدري، اسم يسوع المسيح. كانت تناديه. وحده،

في الحقيقة، كان قادراً على أن يلبّي النداء. وقد جاء ليُعين. فـ "مبارَك الآتي باسم الربّ ملك إسرائيل". هم أعلنوه، ربما عن غير وعي منهم، ملك إسرائيل. قرنوه بالنبوءة. تنبّأوا. صحيح أنّ أكثر الذين هتفوا:


"هوشعنا، مبارَك الآتي باسم الربّ، ملك إسرائيل"، هتفوا بعد أيام:

"اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا"، ولكنْ ما قيل فقد قيل ولو صدر عن قوم لا يؤمنون أو لم يثبتوا على الأمانة.




والربّ يسوع دخل على جحش ابن أتان. دخل كما لا يدخل ملوك الأرض. دخل كملك من نوع جديد. دخل بالوداعة لا بالعنف. جاء ليسترد مُلكه لا بالقوّة بل بالمحبّة. جاء لا لينكِّل بأحد بل ليموت عن الجميع. فكان عرشه الصليب. ملوك الأرض يدخلون المدن على الأحصنة.

الفَرس علامة الحرب والعنف والقتل والاستكبار. ملوك الأرض يدخلون إلى المدن المحتلَّة متعالين مستكبرين متبخترين. أمّا هذا المَلك الجديد فدخل بالمحبّة وديعاً متواضعاً. دخل دخولاً إلهياً.

وحده الله المحبّة قادر على أن يكون وديعاً متواضع القلب وإلى المنتهى. الناس في العالم ربما يتمسكنون، يظهرون بثياب الحملان وهم ذئاب. أمّا يسوع فقد أفرغ نفسه وأخذ صورة عبد وضيع.




قبل أن يدخل الربّ يسوع إلى أورشليم، توقّف في بيت عنيا. بيت عنيا تبعد عن أورشليم حوالي ثلاثة كيلومترات، إلى الشرق. الربّ يسوع سبق له أن تردَّد على بيت عنيا وكان لديه أحبّاء فيها.


البيت الذي اصطفاه، بخاصة، كان بيت لعازر ومريم ومرتا. هناك أحبّ أن يرتاح ويريح. لعازر، كما أقمنا الخدمة بالأمس، رقد في بيت عنيا. وقد بقي في القبر أربعة أيام مع أنّ مريم ومرتا أرسلتا في طلب يسوع ولعازر، بعدُ، مريض. قالتا: "الذي تحبّه مريض". لكن يسوع تأخّر عن قصد. وقد أعلن عن مرض لعازر أنّه ليس للموت بل لمجد الله.


ودخل الربّ يسوع إلى بيت عنيا.

للأسماء، عادة، دلالتها وأهمّيتها في الإنباء بعمل الله. لفظة "بيت عنيا" ربما كانت لها معان عديدة. لكن أحد هذه المعاني هو "بيت الفقير". من جهة أخرى، لعازر الإسم معناه "الله يُعين" أو "معونتي من عند الربّ". لذلك لعازر، في الموقع الذي كان فيه، أي في بيت عنيا، كان يشير، بمعنى، إلى واقع البشريّة بأكملها.


فالذي كان بحاجة إلى عون الله وهو مقيم في بيت الفقير كان الإنسان / لعازر الذي طُرد من الفردوس وأُخرج إلى هذا العالم. هذا العالم هو بمثابة بيت عنيا. آدم يُقيم في مكان الشقاء. حين كان آدم في الفردوس كان ممتلئاً من النِعَم الإلهية.


فلما خرج من هناك كان شبه عريان. تعرّى من نِعَم الله، من مجد الله، من نور الله. جُرِّد من رتبته فوُجد فقيراً. من هنا القول المعبِّر للمزمور:


"فقير أنا وفي الشقاء منذ حداثتي". مَن الذي عرّاني وأفقرني؟ جهلي وغبائي أولاً، ثمّ الشرّير الذي قال عنه المزمور:


"لأنّ العدو قد اضطهد نفسي وأذلّ في الأرض حياتي وأجلسني في الظلمة مثل الموتى منذ القِدَم".

خطيئتنا هي التي مكّنت الشرّير من تجريدنا من كل غنى إلهي. فالإنسان أقام في هذا العالم كما أقام لعازر في بيت عنيا.

وبقي الإنسان يصرخ على مدى الأيام: هوشعنا. يا ربّ خلّصني. آه يا ربّ ليتك تنجّي! "اللهمّ بادر إلى معونتي. يا ربّ أسرع إلى إغاثتي". استمرّت البشريّة تصرخ وتئن بكلام ومن دون كلام. بالكلام والصمت. أ

خيراً حلّ بيننا المنادَى. "والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا". قبل أن يدخل يسوع إلى أورشليم دخل إلى بيت عنيا.


أراد أن يعطينا هناك عربون قيامته المجيدة. لذا ترك لعازر يموت، صورةً عن نفسه، لكنّه أقامه بعدما كان قد أنتَن.


هذا كان العربون، عربون قيامته هو، حتى إذا ما عاينّا الربّ يسوع معلَّقاً على الصليب لا تخور عزائمنا ولا يخيب رجاؤنا. رغم ذلك لم نفهم. الله أعظم من عقولنا ومن قلوبنا.


لذا لا فهم إلاّ بروح الله. كل ما جرى قبل الصليب، بما في ذلك إقامة لعازر، كان برسم الفهم فيما بعد.




ثمّ بعد قيامة لعازر وقبل دخول ربّنا إلى أورشليم بستة أيام، أتى السيّد، من جديد، إلى بيت عنيا. هناك تناول طعام العشاء في بيت مرتا ومريم. وكان لعازر أحد المتّكئين معه.


مريم التي اعتادت الجلوس عند قدمي المعلم لتسمع كلامه لم تكن ترى إلاّه. كانت كلُّها شوقاً إليه. كل الحياة في عينيها كانت المسيح. أحبّته. ومَن يحبّ كثيراً بمحبّة الله يُبْدِع. يستحيل نبيّاً.


يأتي بما لا طاقة للإنسان العادي على فهمه. أخذت مريم رطل طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها. مَن يحبّ يتذلّل إرادياً. الناس في الدنيا يُذِلّون بعضهم بعضاً، أما يسوع فمَن عرفه كان مستعداً لأن يتذلّل أمامه. امتلأ البيت من رائحة الطيب، من رائحة الحبّ الإلهي. امتلأ البيت من رائحة يسوع. حيثما حلّ يسوع فاح طيب الحياة الإلهية. عمانوئيل، الله معنا. ما فعلته مريم أثار اعتراضاً: "لماذا لم يُبَع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويُعط للفقراء؟" "اتركوها. إنّها ليوم تكفيني قد حفظته...". حين نكون في معرض النبوءة تبطل يوميات الناس ويبطل منطق الناس. مريم بسكبها الطيب، من حيث لا تدري، تنبّأت بموته،


وليس بموته فقط، بل بقيامته أيضاً. فحيث الطيب هناك تزهر الحياة. الموت لا يبثّ طيباً بل نتناً. أما الربّ يسوع فطيبٌ كلُّه قبل وأثناء وبعد موته.

إذاً، بيت عنيا، بيت الفقير، دخل إليها يسوع علامة لاقتباله الفقر، لاقتباله إفراغ الذات.


الفقير الذي افتقر لأجلنا جاء ليقيم بين الفقراء وليقيم الفقراء. لذا أضحت بيت عنيا الفقراء بشارة تذيع بالغنى الإلهي الذي حلّ فيها. ثمّ من بيت عنيا بالذات، كما في إنجيل لوقا، صعد الربّ إلى السماء حاملاً فقراء كونِ بيت عنيا ليجلس بهم عن يمين الله الآب.

بعد أن أعطى ربُّنا كل هذه العلامات في بيت عنيا دخل إلى أورشليم ليتمِّم كل النبوءات وكل عمل الله، منذ فجر التاريخ، وكلّ مقاصد الله.


كل هذه المقاصد اكتمل باستقرار الربّ يسوع لا على العرش السماوي، بل على عرش الحبّ المتمثِّل بالصليب. من هناك، من على الصليب، إذ كان السيّد على أهبة أن يسلم الروح قال: قد تمّ! قصد الله تمّ واكتمل. ثمّ أحنى رأسه وأسلم الروح. لما أسلم الروح أبان أنّ الله محبّة، أنّ الله نور وأنّ الظلمة لم تدركه. ل

ما أسلم الروح نفخ الروحَ القدس في العالم. ساعتذاك، كما نعرف، انشقّ حجاب الهيكل. الفاصل بين ما للناس في العالم وما لله انشق. مذ ذاك لم يعد هناك ما يفصل الإنسان عن الله.


لذا هتف الرسول المصطفى بولس: "إنّي متيقّن أنّه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوّات ولا أمور حاضرة ولا مستقبَلة ولا علْو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبّة الله التي في المسيح يسوع ربِّنا" (رو 8). الحجاب انشق وروح الله انسكب على العالَمين.


لقد بات بإمكان أيّ كان أن يصعد، بالإيمان بابن الله، على هذا السلّم، الذي هو الربّ يسوع إيّاه، إلى ملكوت السموات، إلى أورشليم العلوية.

في هذا الأسبوع، الآتي علينا بالله، نرتِّل: "ها نحن صاعدون إلى أورشليم...". هذا لأنّنا نتشوَّف إلى أورشليم العلوية. أورشليم الأرضية لا تعنينا إلاّ كموقع نسلك فيه في إثر المسيح حاملين الصليب. الصليب حصّتنا وبركتنا في هذا الدهر. نحن نعلم أنّنا في الحقّ، كما قال يوحنّا الحبيب، وأنّ العالم كلّه قد أُسلم في يد الشرّير. لكن يبقى هناك شهود للحقّ في هذا الدهر.
هؤلاء يشهدون ولكن من على الصليب. يشهدون بالحبّ الكبير، بالوداعة. يقيمون في هذا الدهر، لكنّهم ليسوا منه.
تراهم عابرين، باستمرار، إلى وجه ربّهم، إلى أورشليم العلوية، إلى فصح الربّ، إلى وعد الحياة الأبدية. إلى هناك نحن ذاهبون. هذه قِبْلتنا. لهذا نعبر هذا الأسبوع بصليب الربّ لنبلغ إلى القيامة المجيدة، ونحن بالغونها بإذن الله، بالغون إلى الفرح الذي لا أحد ينزعه منا.
 البارحة أعطانا السيّد، بلعازر، عربون قيامته، وغداً / اليوم وكل يوم نعاينه ناهضاً فينا من بين الأموات.
وكما صرخ أطفال أورشليم وناس أورشليم:
هوشعنا لابن داود نصرخ الأحد القادم علينا بإذن الله وإلى الأبد: حقّاً لقد قام الربّ!
 
عظة الأب الأقدس بندكتس السادس عشر

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،


سنة تلو الأخرى يخبرنا إنجيل أحد الشعانين عن دخول يسوع إلى أورشليم.
كان يسوع قد صعد مع تلاميذه من الجليل إلى المدينة المقدسة.
نقل لنا الإنجيليون 3 إعلانات ليسوع تتعلق بآلامه، كأدراج في هذا الصعود، ملمحين بهذا، في الوقت عينه إلى المراقي الداخلية التي كانت تتحقق في هذا الحج.

إن يسوع في مسيرة نحو الهيكل؛ نحو المكان حيث الله، كما يقول كتاب تثنية الاشتراع، شاء أن "يثبت عرشًا" لاسمه (راجع 12، 11؛ 14، 23). الله الذي خلق السماوات والأرض أخذ اسمًا، بات من الممكن استدعاء اسمه، لا بل كاد يصير ملموسًا للبشر.
ما من مكان يستطيع احتواءه، ومع ذلك، بل لأجل ذلك، اختار هو بالذات مكانًا واسمًا، لكي يصبح ممكنًا لتكريمه هو شخصيًا، الإله الحق، كالله في وسطنا.

مِن حادثة يسوع البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة نعرف أنه أحب الهيكل مثل بيت أبيه، كبيته الأبوي.
الآن، يأتي من جديد إلى هذا الهيكل، ولكن مسيرته تذهب إلى أبعد من ذلك: فالمرمى الأخير لصعوده هو الصليب. هذا هو الصعود الذي تصفه الرسالة إلى العبرانيين بالارتقاء نحو الخيمة غير المصنوعة بأيدٍ بشرية، وصولاً إلى حضرة الله. الارتقاء إلى حضرة الله يمر عبر الصليب.
هو الارتقاء نحو "الحب حتى المنتهى" (راجع يو 13، 1)، الذي هو جبل الله الحق المكان النهائي للاتصال بين الله والإنسان.

خلال الدخول إلى أورشليم، يقوم الشعب بتكريم يسوع كابن داود بواسطة كلمات المزمور 118 [117]، مزمور الحجاج: "هوشعنا لابن داود! مباركٌ الآتي باسم الرب! هوشعنا في أعالي السماوات". ثم يصل يسوع إلى الهيكل، ولكن هناك حيث كان ينبغي أن يتوفر المكان للّقاء بين الله والإنسان، يجد يسوع تجار الحيوانات والصيارفة الذي يحتلّون بتجارتهم مكان الصلاة.

بالطبع، الحيوانات المعروضة للبيع كانت مخصصة للذبائح في الهيكل.
وبما أنه لم يكن ممكنًا استعمال نقود تحمل صور الأباطرة الرومانيين الذين كانوا بتناقض مع الإله الحق، كان يجب تحويل العملات بنقود لا تحمل صورًا وثنية.
ولكن كل هذا الأمر كان يمكن القيام به في مكان آخر: المكان الذي يتم فيه هذا العمل الآن كان يجب أن يكون، بحسب الغاية منه، رواق الوثنيين. فإله إسرائيل هو الإله الأوحد لكل الشعوب.
وحتى ولو أن الوثنين ما كانوا يدخلون، إذا جاز التعبير، داخل الوحي، كان بامكانهم مع ذلك، أن يدخلوا في رواق الإيمان وأن ينضموا للصلاة إلى الإله الأوحد. إله إسرائيل وإله البشر بأسرهم كان بانتظار دائم لصلاتهم أيضًا، ولبحثهم، ولتضرعهم.

أما الآن فتسيطر المعاملات التجارية – معاملات سمحت بها السلطات المعنية، والتي بدورها كانت تشارك في أرباح التجار.
كان التجار يتصرفون بشكل صحيح بحسب الإجراءات المرعية، ولكن الإجراءات عينها كانت فاسدة. تقول الرسالة إلى أهل كولوسي "الطمع هو عبادة أوثان" (راجع 3، 5). هذه هي عبادة الأوثان التي يصادفها يسوع ويقول فيها مستشهدًا بالنبي أشعيا: "بيتي بيت صلاة يدعى" (متى 21، 13؛ راجع أش 56، 7) وإرميا: "أما أنتم فقد جعلتموه مغارة لصوص" (متى 21، 13؛ راجع إر 7، 11). في وجه التدبير المفسَّر بشكل خاطئ، يدافع يسوع، بعمله النبوي، عن التدبير الحق الذي تتضمنه الشريعة والأنبياء.

كل هذا يجب أن يجعلنا نفكر نحن أيضًا، كمسيحيي اليوم: هل في إيماننا من النقاوة والانفتاح ما يُمَكّن "الوثنيين"، أي الأشخاص الذين يبحثون الآن ويحملون أسئلتهم، هل يمكنهم أن يفطنوا لنور الإله الأوحد،
هل يمكنهم أن ينضموا إلى أروقة صلاتنا فيغدوا ربما عبر تساؤلاتهم عبّادًا هم أيضًا؟ هل نعي في قلبَنا وتصرفاتنا في الحياة أن الجشع هو عبادة أوثان؟
ألا نفسح ربما المجال للأوثان للدخول في عالم إيماننا؟ هل نحن مستعدون لكي نفسح للرب المجال دومًا لينقينا، ونسمح له أن يطرد منا ومن الكنيسة كل ما يعاكسه؟

في تطهير الهيكل هناك أكثر من مواجهة ضد سوء استعمال بيت الله. يفتتح يسوع ساعة جديدة في التاريخ. يبدأ هنا ما سبق وأعلنه عنه يسوع للسامرية جوابًا على سؤالها عن العبادة الحقة: "لقد أتت الساعة، وهي الآن، وفيها العباد الحقيقيون يعبدون الآب بالروح والحق؛ لأن الآب يريد عبادًا كهؤلاء" (يو 4، 23).

لقد انقضى زمن تضحية الحيوانات لله. لطالما كانت أضاحي الحيوانات بديلاً بائسًا، وبادرة تُعَبّر عن الشوق إلى الأسلوب الحق في عبادة الله.
لقد وضعت الرسالة إلى العبرانين المزمور 40 [39] شعارًا لحياة ونشاط يسوع: "ذبيحة وتقدمة لم تشأ، لقد أعددت لي جسدًا" (عبر 10، 5). بدل الذبائح الدموية وتقادم الثمار يحل جسد المسيح، يحل المسيح بالذات. وحده "الحب إلى المنتهى"، الحب الذي يهب نفسه بالكلية لله لأجل البشر، هو وحده العبادة الحقة، الذبيحة الحقة.
العبادة بالروح والحق تعني العبادة بالاشتراك مع ذلك الذي هو الحقيقة؛ العبادة في الشركة مع جسده، الذي يوحدنا به الروح القدس.

ينقل القديس متى، الذي نصغي في هذه السنة لإنجيله، حدثين صغيرين في نهاية نص أحد الشعانين، بعد تطهير الهيكل.
كلا الحدثين يلبسان طابعًا نبويًا ويوضحان لنا مرة أخرى إرادة يسوع. ففورًا بعد كلمة يسوع بشأن بيت الصلاة للشعوب كافة، يتابع الإنجيلي قائلاً: "دنا منه عميٌ وعرجٌ فشفاهم". ومن ثم يقول متى أن أطفالاً بدأوا يرددون في الهيكل الهتاف الذي أطلقه الحجاج عند مشارف المدينة: "هوشعنا لابن داود" (متى 21، 14+). يواجه يسوع الاتجار بالحيوانات والمعاملات المالية بطيبته الشافية. هذه الطيبة هي التطهير الحق للهيكل.

لا يأتي يسوع مدمّرًا؛ لا يأتي بسيف الثوريّ. بل يأتي بعطية الشفاء.
ويهتم بأولئك الذين ترمي بهم عاهاتهم على هامش حياتهم وهامش المجتمع. يبين يسوع الله إلهًا يحب، وقدرة الله كقدرة المحبة.
ويقول لنا هكذا ما سيشكل إلى الأبد جزءًا من العبادة الحقة نحو الله:
الشفاء، الخدمة، الطيبة التي تشفي.

ثم وهنالك الأطفال الذين يكرمون يسوع كابن داود ويهتفون هوشعنا. كان يسوع قد قال لتلاميذه أنه، للدخول في ملكوت الله، عليهم أن يصيروا مثل أطفال.
وهو بالذات، رغم أنه يغمر العالم بأسره، صار طفلاً لكي يأتي نحونا، ولكي يوجهنا نحو الله. للتعرف على الله، يترتب علينا أن نعتزل الكبرياء الذي يعمينا، والذي يريد أن يبعدنا عن الله، كما لو كان الله منافسنا.
للقاء بالله يجب علينا أن نصبح قادرين على الرؤية عبر القلب. علينا أن نتعلم أن نرى عبر قلب شاب لا تعيقه الأحكام المسبقة ولا تعميه المصالح. وهكذا، في الأطفال الذي يتعرفون عليه بقلب حر ومنفتح، رأت الكنيسة صورة مؤمني كل العصور، صورتها بالذات.

أيها الأصدقاء الأعزاء، في هذه الساعة التي ننضم فيها إلى تطواف شباب ذلك الزمان – تطواف يجتاز التاريخ بأسره. مع شباب العالم بأسره فلنذهب للقاء يسوع. فلنسمح له أن يقود خطونا صوب الله، لكي نتعلم من الله نفسه الأسلوب الصحيح لنكون بشرًا.
نشكر الله معه، لأن يسوع، ابن داود أعطانا فسحة سلام ومصالحة تغمر العالم. فلنتضرع إليه،
لكي نصبح نحن أيضًا معه، وانطلاقًا منه، رسلاً لسلامه، لكي ينمو ملكوته فينا وحولنا. آمين.
 

الاب سلوان

(يو1:12-18)

أحد الشعانين هو يوم استقبالُ السيدِ عند دخوله إلى مدينة أورشليم حيث ستتم أحداث الآلام والصلب والموت والقيامة، واستُقبل عند أبوابها من الجموع كملك ومخلّص بالسعف والنخيل وبالهتاف:


“أوصنّا في الأعالي مباركٌ الآتي باسم الرب”.

من هم هؤلاء الذين استقبلوه؟ ربما رؤساء المدينة أو كبارها أو أصحاب الذوات و المراتب الرفيعة العالية؟ يجيبنا على ذلك الإنجيلي يوحنا بقوله:


“الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد”


أي عامة الشعب أخذوا “سعف النخيل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أوصنّا مبارك الآتي باسم الرب”.



هم شاهدوا المسيح وهو يقيم لعازر، أو سمعوا به، لذلك حملوا السعف التي ترمز إلى انتصار المسيح على الموت بقيامة لعازر ومن ثم بقيامته.

صراخ الشعب حاملاً السعف ليس سوى تأكيد على هذا النصر العظيم للمسيح والذي به ننال الخلاص.

عبَّر الشعب عن احترامه للمسيح فاستقبله، عند دخوله أورشليم، بطريقة عفوية بسيطة متواضعة مليئة بالعواطف والتأثر


كأنهم يعرفون أنه يتحضر ليقدم ذاته ضحية لخلاص الجميع، وكان استقباله استقبال المنتصرين الظافرين.



كلها لحد الآن رائعة وجميلة ولكننا سنرى بعد أيام قليلة أن الشعب الذي صرخ مرحّباً بالملك نادى أيضاً بصلبه وموته. كيف انقلب وتغيّر؟


فهو من جهة يرى العجائب التي صنعها يسوع ومن جهة أخرى ينسحب خائفاً مما يجري من حوله، لماذا كلُّ ذلك ؟

حضور المسيح يزعج البعض كالرؤساء الذين لم يتأخروا عن وضع خطتهم الشيطانية لتسليمه للموت، فقاموا بتحضير الشعب وتأليبه ضدّ المسيح، فأغلقوا أعينهم عن كل العجائب التي صنعها أمامهم


وأصمُّوا آذانهم عن التعاليم المقدسة كلها التي أعطاهم إياها، وهذا هو سببُ انقلاب الشعب على المسيح.

بالنهاية كانت الأكثرية ضدّ المسيح والأقلية بجانبه. الأكثرية طلبت موته وبدون أن يعرفوا لماذا هكذا ببساطة لأن الرؤساء والمعلمين طلبوا منهم ذلك.

الشعب الضعيف يتبع رؤسائه متأملاً أن يرضيهم، فيظن أنه يكسب بذلك ولكنه يخسر ذاته وخصوصاً إذا كانت هذه التبعية تودي لصلب المسيح،

أما إذا أراد أن يبحث عن الحقيقة والعدل خارج المسيح فهو لن يعرف أن يجدها فيعيش في ضياع لا يعرف مكان تواجدها.

إذا كنا سنذهب لنحتفل بيوم الشعانين متهللين كالأغلبية فرحين بملابسنا وأطعمتنا ومقابلتنا الكثير من الناس ناسين أن نفرح بحضور المسيح فينا أو مبتعدين عن كل ما يغذينا روحياً


من ممارسة لأسرار الكنيسة أو أعمال خيرية أو متغربين عن التوبة والتواضع الحقيقيين فإننا نكون قد ضللنا الطريق ونكون بذلك، دون أن نعلم أو نريد، قد صرخنا مقدَّمَاً


“اصلبه”.

إخوتي، وكنتيجة وخلاصة، إذا كنا من هذه الأغلبية التي تصرخ حاملة سعف النخل متهللة بالمسيح دون أن تعرفه في حياتها


أنه الإله الحقيقي نكون قد ضلَلنا، لأن المسيح لا يبحث عن أشخاص ليصفقوا ويهللوا بل عن قلوب متهللة بالحضور الإلهي، يبحث عن الأشخاص الذين يتبعونه بإرادتهم في لحظات الألم والفرح، عن الذين سيموتون بموته فيتذوقون فرح قيامته، عن هؤلاء الذين سيصرخون مع القديس بطرس:


“يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك” (يو68:60).

 
[مقتطفات من إلهامات الروح للآباء عن دخول المسيح أورشليم. اقرأ مت 21: 1-11، مع ملاحظة أن اقتباسات الآباء من العهد القديم هي حسب الترجمة السبعينية]. المعنى السرِّي لدخول الرب أورشليم:

+ يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:

عندما أرسل الرب تلميذيه ليُحضِرا الأتان والجحش، أخبرهما مُسبقاً أنه لن يعترضهما أحد. لقد حثَّ الرب (سرّاً) أُناساً لم يعرفوه قط ولم يكن قد رآهم أن يُسلِّموا ما يمتلكونه بدون أية كلمة، وذلك بواسطة تلميذيه، في حين أن معظم اليهود رفضوا أن يطيعوه عندما صنع العجائب والمعجزات أمامهم.

لا تنظروا إلى هذا الأمر كأنه قليل الأهمية، لأنه مَن هو الذي استحثهم على عدم معارضة التلاميذ عندما أخذوا منهم ما يملكون، وهم فقراء وفلاحون، بل حتى ولا أجابوا على ردِّ التلميذَين بأن الرب محتاجٌ إليهما إلاَّ بالصمت والخضوع، ولا سيما وهم لم يروا الرب نفسه، بل تلميذيه فحسب؟ وهكذا يُعلِّمنا الرب أنه كان يمكنه أن يكبح جماح اليهود، ولو حتى ضد إرادتهم، عندما كانوا مزمعين أن يضعوا أيديهم عليه، وأن يبتليهم بالعمى أو الخرس، ولكنه لم يشأ ذلك. ومن هذا يُعلِّم أيضاً تلاميذه أنه مهما طلب منهم يعطوه ولو حياتهم نفسها، لأنه إن كان الذين لم يعرفوه أطاعوه، فكم بالحري أتباعه!

إن الرب بركوبه على جحش يُتمِّم نبوَّتين:


الأولى نبوَّة زكريا: «هوذا ملكُكِ يأتي إليكِ... وهو وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان» (زك 9: 9)؛


والثانية التي أخبر فيها أنبياءه بدعوة الأمم غير الطاهرين، وأنهم سيأتون إليه ويتبعونه، وأنه سيجد راحته فيهم (لأن الحمار كان من الحيوانات غير الطاهرة حسب الناموس، ولذلك فهو هنا يرمز إلى الأمم). وهكذا فإن تحقيق إحدى النبوَّات يُفسِح المجال لتحقيق الأخرى.

ويشير الجحش إلى الشعب الجديد الذي كان قبلاً نجساً، ولكنه صار طاهراً بمجرد أن ارتاح الرب يسوع عليه. وكما أن التلاميذ هم الذين حلُّوا الدابتين، هكذا بواسطة التلاميذ أيضاً دُعينا نحن (الأمم) وهم (اليهود) إلى الإيمان، وبواسطة الرسل جيء بنا كلينا إلى الرب يسوع. وبسبب أن مجد دعوتنا قد جعل اليهود يَغارون،

هكذا وُجدت الأتان تابعة للجحش، لأنه بعد أن أُجلِسَ المسيح على قلوب الأُمم سيأتي اليهود أيضاً مدفوعين بالغيرة، وهو ما قاله بولس الرسول: «إن القساوة قد حصلت جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملؤ الأمم، وهكذا سيخلُص جميع إسرائيل» (رو 11: 26،25). وواضح أن هذه نبوَّة، وإلاَّ لما كان زكريا النبي اهتم بأن يذكر «أتان وجحش ابن أتان».

ويُعطينا الرب هنا أيضاً مثالاً حكيماً لحياتنا اليومية، فبالإضافة إلى الأمثلة العديدة لفقره وعوزه، يُظهِر لنا أنه لا داعي لأن يمتطي جواداً، بل يكفيه حمارٌ. فنحن في أي مكان ينبغي أن نقنع بما يكفي لاحتياجنا.

لم يستقل الرب مركبة كالملوك الآخرين، ولا طلب تعظيماً من الناس، ولا أن يلتفَّ حوله الضباط والحرَّاس، وفي هذا أيضاً يُظهِر الوداعة. وهنا اسألوا اليهود: أيُّ ملكٍ حدث قط أن دخل أورشليم راكباً على أتان؟ فلا يمكنهم أن يُخبِروا عن أحدٍ فعل ذلك سوى الرب!

ابتهجي جداً، واهتفي، هوذا ملكُكِ:

+ في قولٍ جميل يقول العلاَّمة أوريجانوس:

تقول نبوَّة زكريا النبي الجديرة بالاعتبار: «ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي بالفرح يا بنت أورشليم. هوذا ملككِ يأتي إليكِ، وهو العادل والمُخلِّص، وديع وراكب على أتان وجحش ابن أتان» (زك 9: 9 حسب الترجمة السبعينية).

أتريد أن تتعلَّم من النبي لماذا ينبغي على ابنة صهيون أن تبتهج لأجل الأمور التي أُنبئت بها؟ اسمعه يقول: «لأنه سيقطع المركبة من أفرايم والفرس من أورشليم، وقوس الحرب ستُقطع، وسيتكلَّم بـالسلام للأُمم وسلطانه مـن البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. وأنتِ أيضاً فإني بـدم عهدكِ قد أَطلقتُ أسراكِ من الجب الذي ليس فيه ماء. ارجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء» (زك 9: 10-12).

ولكن لماذا ينبغي أن تبتهج ابنة صهيون جداً وتهتف بنت أورشليم فرحاً في حين أن الرب بكى على أورشليم قائلاً: «يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردتُ أن أجمع أولادكِ كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا» (لو 13: 34)!! (وهو إنجيل جمعة ختام الصوم) .

فربما يقصد ببنات أورشليم، أولئك السمائيين الذين ذكرهم الرسول بولس: «قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السمائية، وإلى صحبة ربوات لا تُحصَى من الملائكة» (عب 12: 22 - ترجمة حديثة).

لأجل هذا السبب، ولأجل الأحداث الأخرى التي صاحبت ذلك، يليق بابنة صهيون أن تبتهج جداً وأن تهتف بنت أورشليم فرحاً، لأن ملكها أتى إليها وهو عادلٌ ومنقذٌ للمزمعين أن يحصلوا على الخلاص.

لقد جاء إلى أورشليم وديعاً، ومُحطِّماً مركبات أفرايم التي تشبَّه بمركبات فرعون التي ألقاها مع جيشها في البحر (خر 15: 4). لقد قطع الفرس وكسر قوس الحرب من أورشليم لكي يعدَّ سلاماً لإسرائيل مستعيداً غنم رعيته التي فُقدت، مُرجِعاً إليه أولاد أورشليم الذين طُرحوا خارجاً. وحينئذ عندما تأتي أعداد هائلة من الأُمم أيضاً إلى الإيمان ويحصلون على الخلاص والسلام، فإن المخلِّص سيملك «من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض».

وماذا عن ثياب التلاميذ والشعب، وأغصان الشجر؟

+ يقول القديس جيروم:

كان الجحش والأتان عريانين قبل مجيء المخلِّص، فقاسيا من البرد، واهتم الكثيرون بامتلاكهما، ولكنهما بعد أن تغطَّيا بثياب الرسولين وصارا أكثر جاذبية صار لهما الرب نفسه راكباً عليهما.

وثياب الرسل تشير إلى تعاليمهم عن الفضائل الإنجيلية التي إن لم ترتديها النفس وتتزيَّن بها لا يمكنها أن تؤهَّل لأن يجلس الرب يسوع فيها.

+ ويقول القديس ذهبي الفم:

لقد جلس الرب على الجحش بعد أن غطَّاه الرسولان بثيابهما، لأنهما بعد أن وجدا الجحش سلَّما كـل شيء كما قال الرسول: «أما أنـا فبكل سرور أُنفِق وأُنفَق لأجل نفوسكم» (2كو 12: 15).

ولكن لاحِظ أن اليهود رغم كل العجائب التي صنعها الرب، لما رأوا الجموع محتشدة اندهشوا: «ولما دخلوا أورشليم، ارتجَّت المدينة كلها قائلة: مَن هذا؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل» (مت 21: 11،10). ولما سمعوا هتاف الشعب «قالوا له: يا معلم، انتهر تلاميذك. فأجاب وقال لهم: أقول لكم إنه إن سكت هؤلاء، فالحجارة تصرخ» (لو 19: 40،39).

وبالإضافة إلى تحقيقه للنبوَّات، أراد بذلك أن يُعزِّي تلاميذه الذين سيحزنون بسبب موته، موضِّحاً لهم أنه سيتألم بحرية إرادته.

ولنفعل نحن أيضاً تلك الأمور نفسها. فلنصرخ بالتسبيح، ولنُعطِ ثيابنا للذين يحملون الرب. لأننا بماذا سنوجد مستحقين عندما يُغطِّي آخرون الجحش الذي جلس عليه الرب بثيابهم وآخرون يفرشون ثيابهم تحت قدميه، بينما نحن نتركه عرياناً في أولئك الذين يحتاجون إلى القليل من ثيابنا؟ إنهم يسيرون قدَّامه ويتبعونه من ورائه، بينما نحن إذا هو اقترب منَّا نصدُّه عنا. أيها الأحباء، دعونا نفتح عيوننا ونكون يقظين.

إنني خجل أن أتكلَّم عن الصدقة إذ تكلَّمتُ عنها كثيراً، ولكن كلامي لم يثمر كثيراً. إنني أرى أنكم تزرعون بالشح، لذلك أخاف أنكم لن تحصدوا إلاَّ بالشح أيضاً!

ولكي تعرفوا عدم إنسانية بعض الأغنياء، في حين أن دخل الكنيسة لا يساوي إلاَّ دخل واحد منهم فقط. فكِّروا كم من الأرامل وكم من العذارى تعولهم الكنيسة، لقد وصل عددهم الآن إلى ثلاثة آلاف (هذا حدث أيام ذهبي الفم في مدينة واحدة، أفلا يُخجلنا هذا الكلام الآن)! هذا بالإضافة إلى المحتاجين الذين يطرقون أبوابنا يومياً، والذين في السجون، والمرضى في المستشفيات، والغرباء، والمعوَّقين بالعاهات، وأيضاً الذين يخدمون المذبح. فلو وُجد عشرة أغنياء فقط مستعدون ليعطوا ما في وسعهم لما وُجد فقير واحد. إن مدينتنا هذه تستطيع بنعمة الله أن تعول فقراء عشر مدن!

لاحِظ مقدار ما تصرفه أسرة واحدة في عيد واحد أو وليمة واحدة دون أن تعبأ بمقدار ما تصرفه، فلو أن واحداً من الأغنياء فعل هذا في خدمة الفقراء لكان في لحظات قليلة يمسك السماء بيديه! إنني لا أسألكم أن تعطوا من رؤوس أموالكم بل أن تُشرِكوا الفقراء في أرباحكم. فكونوا وكلاء صالحين فيما أعطاكم الله.

وإذا كنتم تغطُّون مثلاً احتياجات الرجال الذين يُحاربون عنكم ضد البرابرة، فيوجد هنا أيضاً جيش من الفقراء يخوض حرباً نيابة عنكم، لأنكم عندما تعطونهم يربحون لكم بصلواتهم نعمة من الله، وباسترضائهم له يصدُّون عنكم، ليس فقط اعتداء البرابرة، بل الشياطين!!

فدعونا نوظِّف أموالنا في هذا المشروع الذي يستحق ذلك لكي نأخذ الربح معنا عندما نرحل من هذه الحياة، كما نُبقي منه لأولادنا. وبذلك سنبلغ إلى الأمور العتيدة بنعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح.

نشيد دخول الملك:

+ يقول القديس جيروم:

مزمور 118 الذي كُتب خصيصاً لأجل مجيء المخلِّص، نقرأ فيه: «الحجر الذي رذله البنَّاؤون قد صار رأساً للزاوية، من قِبَل الرب كان هـذا وهو عجيب في أعيننا. هذا هـو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ولنبتهج فيه. يا رب خلِّص الآن، يا رب سهِّل سبلنا. مبارك الآتي باسم الرب» (مز 118: 22-26).

وفي اللغة العبرية نجد كلمة: «يا رب خلِّص» هكذا: ”أنَّا أدوناي أو سيانَّا“ التي فسرتها ترجمة سيماخوس (وأخذت عنها طبعة King James الإنجليزية) هكذا: «أتوسل إليك يا رب خلِّصنا، أتوسل إليك». وهذا يعني أن مجيء المسيح هو خلاص للعالم: «لم آتِ لأدين العالم بل لأُخلِّص العالم» (يو 12: 47)، «ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابـن مخلِّصاً للعالم» (1يو 4: 14).

+ ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم:

«الذين تقدَّموا» يشيرون إلى الذين سبقوا أن هلَّلوا للمسيح الذي سيأتي (في العهد القديم)، و«الذين تبعوا» يُسبِّحون مهلِّلين لمجيء المسيح الذي تمَّ الآن