٢٧/ شباط

 كتب سيرة هذا القديس المؤرخ تاودوريطس اسقف قورش, بكتابه "في النساك", حيث قال: "إنّ أصله من جزيرة قبرص وقد زهد في العالم لكي يعيش لله وحده. فأتى إلى مدينة جبلة القريبة من طرابلس في لبنان, وصعد إلى قمة جبل ونصب له كوخا على أنقاض معبد وثني قديم. أقام فيه مثابرا على الصلوات والتأملات وممارسة التقشفات وأعمال التوبة, إلى أن أنهى حياته ورقد بالرب سنة ٤٦٦ للميلاد."

  صلاته معنا. آمين.

 
تأملات للبابا بندكتس السادس عشر

مسيرة الانسان ليصبح مسيحيا

 أحداً لا يصبح مسيحياً بقدرته الخاصة التي لا طائل لها. وأحداً لا يمكنه أن يجعل من نفسه مسيحياً. فليس بقدرة الإنسان أن يصقل نفسه، إن جاز التعبير، إنساناً كريم النفس عظيماً ثم مسيحياً. على العكس، إن المسيرة التي تؤدي بالإنسان إلى أن يصبح مسيحياً تبدأ فقط عندما يطرح الإنسان عنه أوهام الإستقلالية والإكتفاء الذاتي ويعترف بأن ليس البشر من يخلقون أنفسهم وأنهم عاجزون عن تحقيقهم ذاتهم، وإنما عليهم أن يكونوا منفتحين ويسمحوا بأن يوجَهوا، إن صحّ التعبير، إلى كنه ذاتهم الحقيقية. فأن أكون مسيحياً إذاً تعني في المقام الأول أن أعترف بعجزي بالإكتفاء بذاتي وأن أسمح له – ذاك الآخر الذي هو الله- أن يعمل فيّ... لقد خُيِّل لآدم أنه سيصبح إلهاً إن استطاع الإستمرار لوحده وبقدرته الخاصة وإن أمكنه الإتكال على ذاته في إعطاء الحياة لنفسه كما يراه مناسباً. ولكن هذا المسعى المخطئ إلى تأله من نسج الخيال لا يؤدي في الواقع إلا إلى تدمير الذات، ذلك أن الله نفسه... لا يكون في الإنكفاء على الذات ولكنه يكتسب ملء ألوهيته من حاجته وتلقّيه اللامتناهيين في حوار المحبة ومن بذل ذاته بحريّة لا حدود لها. فالبشر يصبحون على مثال الله فقط عندما يدخلون في هذا المنطق، وعندما يقلعون عن محاولة خلق ذاتهم، تاركين لله المجال ليخلقهم.

 
من الكتاب المقدّس

من أرادَ أن يتبعني فلينكر نفسهُ ويحمل صليبهُ ويتبعني.

 (مرقس ٨ : ٣٤)

 حِملٌ ثقيلٌ هو الصليب يا ربّ, لا طاقة لأكتافنا على حمله. ولكنا ننظرُ إليك. فأنتَ حملتَ صليبكَ وسرتَ في دروب الآلام, ومُتّ مُعلقا عليهِ, قبل أن تنهض في مجدِ قيامتكَ.

 لا قدرةً لنا على حمل الصليب دون معونتك يا ربّ. فأنتَ تقوي عزائمنا على درب الآلام, ومنك نستقي القدرة عليه, ونسير في خطاك.

 
صلاة أحد الموتى المؤمنين

٢٧/ شباط/ ٢۰١١

  إبقَ معي يا ربّ بنور إنجيلك, إنجيل الحياة, وبنور تعليم الكنيسة, لكي ينفتح باب قلبي على حاجة إخوتي, وأمدّ إليهم يد المساعدة بروح التضامن والعدالة والمحبّة. إبقَ معي أيّها المسيح لأنك نوري, وبدونك أنا في الظلمة وبدون حرارة. كم من فقراء يتخبطون في بؤسهم, وكم من رجال ونساء يقعون فريسة عنف التسلط السياسي والإقتصادي الشرس. كم من معاقين ومسنين ومرضى مهملين ومقتولين حسيّا ومعنويّا بداعي اللامبالاة والإهمال والشفقة الكاذبة.

  أعطِ المؤمنين بك أن يعلنوا لأهل زماننا إنجيل المحبة والعدالة, ويجسّدوه في أعمالهم ومبادراتهم, ويجعلوه حضارة حياة. ضُمّنا يا ربّ إلى هؤلاء المؤمنين, لكي تكون محبتنا لا بالكلام أو باللسان, بل بالعمل والحقّ, فنرمّم روابط الأخوّة والشركة مع كلّ محتاج, ويتجلّى فيه بهاء مجد الله, لإكرام الثالوث القدّوس وتمجيده, الذي يُظلّلنا بمحبّة الآب, ويشفينا بنعمة الإبن, ويحيينا بحلول الروح القدس.

  نشكرك يا ربّ على أنك أظهرت نفسك بحياتك وموتك, بكلامك وآياتك, بمجدك وقيامتك, وما زلت تظهر نفسك في سرّ الكنيسة, بأبنائها وبناتها ومؤسساتها: تتكلم بألسنتهم, وتحب بقلوبهم, وتعطي بسخاء وَجُودٍ بأيديهم. أنت تحيا في الكنيسة, وفيها تبعث روحك, وعبرها تنشر كلمتك, وبخدمتها تشفي الجراح وتعزي الآلام. من خلالها تبقى نور العالم ورجاء الشعوب. وحّدها في الحقيقة والمحبّة, واجعلها شاهدة لك من أجل قيام عالم أفضل. لك المجد إلى الأبد. آمين.