تعالوا نتعرّف على معنى التاو

T

          1. مثل كلّ الحضارات القديمة، لقد فسّر التقليد العبريّ الأحرف الأبجديّة، وأعطى لكلّ حرفٍ منها معنىً روحيّاً وصوفيّاً. وبما أنّ الكتابة العبريّة، وبالتالي الأحرف العبريّة، لم يتحدّد شكلها نهائيّاً إلاّ في القرن الثاني (تقريباً) بعد المسيح، فكثيرٌ من الأحرف كانت تُكتب بأشكالٍ مُختلفة، بحسب الحقبة الزمنيّة والمنطقة الجغرافيّة التي كان يعيش فيها اليهود (أكان في فلسطين أم في الشتات).

          كان الحرفُ الأخير من الأبجديّة العبريّة يعني “نهاية”، “تتميم وحي كلمة الله”. اسم هذا الحرف Tau أو Taw، ويُلفظ Tav في العبري، وكان يُمكن أن يُكتَب: L، X، +، T.

          2. ففي العهد القديم، يستعمل النبيّ حزقيّال رمز هذا الحرف الأخير من الأبجديّة، ليحثَّ الشعب لكي يبقى أميناً لله حتى النهاية، فيُعرَفَ، بصورة رمزيّة، بأنّه “مختومٌ” على جبهته بهذا التاو، الذي يجعله مميّزاً عن غيره من الشعوب بأنّه مُختاراً من الله. “وقال الربّ: إجتَزْ في وسط المدينة، في وسط أورشليم، وارسِمْ التاو على جباه الرجال الذين يتنهّدون وينتحبون على كلّ القبائح التي صُنعت في وسطها. وقال لأولئك على مسمعٍ منّي: اجتازوا في المدينة وراءَه واضربوا (...) ولكن من عليه التاو لا تدنوا منهُ” (حزقيال 9/4-6).

          لقد فسّر التقليد اليهوديّ هذا المقطع كالآتي: جباه الصالحين مختومة بتاو من الحبر الأزرق، أمّا جباه الأشرار فباللون الأحمر. فالتاو هي علامة الحياة والموت. يقول التلمود: “التاو  تعني بأنّك ستحيا، وتعني بأنّك ستموت. التاو تعني أنّ استحقاقات الآباء قد تمّت، وبأنّها تمنح النعمة. التاو تعني أنّ الناس ممتلئة بالتورات”. فالتاو يدلّ إذاً على الحياة والموت، وعلى الكمال، وأيضاً على التورات والحقّ.

          3. عندما استعمل الكتّاب المسيحيّون الأوائل الكتاب المقدّس (ولم تعدْ تكتب التاو بشكل +)، استعملوا الترجمة اليونانيّة للعهد القديم، وفي هذه الترجمة كان حرف التاو يُكتب بشكل T. فأصبح بذلك الـT، بالنسبة للمسيحيّين، رمزاً لصليب يسوع، الذين يتمّم كل وعود ونبوءات العهد القديم. وعندما يتكلّم سفر الرؤيا، في العهد الجديد، عن ختم الله على جباه المؤمنين به، يفترض بأنّ رمزيّة التاو معروفة جيّداً.

          4. كان فرنسيس يعرف جيّداً جماعة مار أنطونيوس الرهبانيّة، وكانت هذه الجماعة في خدمة البُرُص. وكان أعضاؤها يحملون صليب يسوع بشكل تاو T، لحمايتهم من الأوبئة ومن الأمراض. إنّه لَمِنَ المُحتمل أن يكون قد اشتغل فرنسيس مع هؤلاء الرهبان في أسّيزي وأن يكونوا قد استضافوه في مستشفاهم في روما. ففي أهمّ لحظات إهتدائه، يتكلّم فرنسيس كثيراً عن اللقاء مع المسيح بشكل أبرص. وإنّه لَمِنَ الطبيعيّ أن يكون، بعد ذلك، قد استعمل التاو، بمثابة توقيع أو ختم خاصّ ينهي به مجمل رسائله، جامعاً بذلك بين الأمانة لآلام يسوع وبين وصيّة خدمة “إخوتي هؤلاء الصغار”، أي البرص.

          في سنة 1215، بمناسبة إفتتاح المجمع اللاتِراني الرابع، سمع فرنسيس البابا إينوشَنْسْيُوس الثالث يدعو إلى تجدّد كبير في الكنيسة، مستعملاً كلمات النبيّ حزقيّال ويقول: “نحنُ مدعوّون لإصلاح ذواتنا، وأن نكون دائماً بحضرة الله كشعب صدّيق. سوف يَعرِفنا الله من خلال علامة التاو، المختومة على جباهنا”. رمزيّة التاو هذه، اقتبلها فرنسيس كدعوة شخصيّة لإصلاح الذات والتوبة. وكان يقول لإخوته بأنّ ثوبهم الرهبانيّ له شكل التاو (إذا فتح الراهب ذراعيه)، مجدّداً بذلك دعوته لهم بأن يكونوا “مصلوبين أحياء”، علامةً للأمانة حتى الموت.

          5. يضع تلاميذ فرنسيس اليوم التاو في أعناقهم، كعلامةٍ لإلتزامهم وختمٍ لها،  وكعلامةٍ لانتمائهم إلى حظيرة الربّ يسوع، وكتذكير بانتصار المسيح على الشرّ من خلال تضحية الحبّ اليوميّة. فأصبحت “علامةُ العِثار” علامةَ رجاءٍ وشهادةَ أمانةٍ حتى نهايةِ حياتنا.




Leave a Reply.

    Archives

    October 2011

    Categories

    All
    أبانا الذى فى السموات
    القديس فرنسيس الأسيزى